§¤°^°¤§ ملك الظلام§¤°^°¤§
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

§¤°^°¤§ ملك الظلام§¤°^°¤§

°¨¨™¤¦ منتدى الظلام ¦¤™¨¨°
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصة ضلالات الحب

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 4:59 pm

[center]ضلالات الحب

ملامح عن أعمار أبطال القصة:
محمد: 30 سنة.
ليلى: 28 سنة.
مريم: 18 سنة.
أحمد: 6 سنوات.
خالد: 26 سنة.
راشد: 24 سنة.
أمل: 19سنة.
بالنسبة لشخصياتهم أفضل أن تكتشفوها من أحداث القصة..

(1)
تسللت "مريم"إلى المزرعة ومعها أخاها الصغير،كانت تزجره بألا يقترب أكثر وفي نفس الوقت تسير معه وقد أسرتها روعة المكان، كانت المزرعة كبيرة بحيث يمكن أن يُبنى عليها خمسة بيوت مثلاً!!!!
أمسكت السور الأبيض بيديها الصغيرتين، لكن سرعان ما أبعدتها لأن ندى الصباح كان قد بللها، مسحت يديها على جانبي عباءتها وهي تنظر بإعجاب إلى العشب الأخضر، ودت لو تلامسه،تعبث به، تجلس عليه وتتحسس رطوبته الندية، تستلقي ربما وتنظر إلى السماء، تخاطب الشمس وتغني مع العصافير وتبتهل إلى الله لتتحقق أمانيها. مدت يديها بشكل لاشعوري إلى قلادتها الفضية وهي تضغط عليها بقوة وتغمض عيناها وتبتسم:
- يالله…
لم تنتبه أن أخاها الصغير "أحمد"ذي الست سنوات، كان قد ولج منذ زمن إلى المزرعة وأخذ يركض هناك وهو يضحك، عادت إلى حاضرها وهي تنادي عليه بصوت غير مسمووع:
-أحمد تعال..تعال "عيب".
لكن لا حياة لمن تنادي، ابتسمت برقة وهي تنظر إليه، ودت أن تكون معه، تركض، تعود إلى أيام الطفولة والبراءة، تحطم القيود وتسير دون خوف من كلمة أو تعليق، تحلق كالفراشة في هذا المكان..
لم تكن تتوقع أن الإمارات كبيرة وواسعة بشكل لا يتصور، ومعظمها أراضي خصبة خضراء بعكس البحرين صغيرة وقاحلة ولكنها مع ذلك أجمل!!!
عادت لتنظر إلى أخيها وهي تهز رأسها لتبعد خواطرها، لكنها لم تره,, أحست بالقلق وانتابها الخوف، نادت بصوت مرتفع:
-أحمد أين أنت؟! أحمدددد.
لم تسمع جواباً، أخذت تجول ببصرها حول المكان وهي تمسك السور الأبيض، رأت اسطبلاً من الخشب وبابه مفتوح على مصراعيه، عضت على شفتيها:
-هذا الشقي.
احتارت ماذا تفعل، أدخل أم لا؟! لا يوجد أحد هنا والباب مقفل: كيف سأنادي عليه؟! وابتسمت لأول فكرة وأطلقت ضحكة صغيرة:
- سأتسلق السور،وماذا في ذلك...
رفعت عباءتها إلى منتصف الحوض، وحمدت ربها أنها ارتدت اليوم بنطالاً، قوست ظهرها وهي ترفع قدميها إلى أعلى وتضع اليمنى على السلمة الأولى من السور استعداداً للقفز...
لم يكن السور عاليياً، لكنها سقطت سقطة خفيفة آلمتها قليلاً، نهضت من على الأرض وهي تنظر حولها خوفاً من أن يراها أحد ، ستكون فضيحة!!
"تخيل شعورك وأنت تقتحم مكاناً غريباً".
ودت لو تنزع حذائها ولكنها خجلت فهي ليست في أرضها، سارت بخفة نحو "الاسطبل"وهي تسمع أصوات صهيل الأحصنة، اقتربت من الباب وهي تختلس النظر لتتأكد، كان "أحمد" يركض خلف الدجاج يحاول أن يمسكها وهي تزعق مبقبقة خائفة من الهجوم المفاجئ عليها، كان الاسطبل كبير مقسم إلى قسمين، قسم للأحصنة والقسم الآخر للدجاج ، دخلت "مريم"بتردد ونادت على أحمد:
- أحمد تعال، ماذا تفعل هنا، اخرج قبل أن يأتي أحد..هيا..
- مريووم تعالي ساعديني قفي عند الباب وأنا سأقف هنا "سأحكر"الدجاجة ولن أدعها تفلت..
- دع الدجاج لقد تأخرنا عن المنزل..
وبعناد كعناد الحمير وبكل شقاوة الطفولة رد:
-كلا، سأصطاد هذه الدجاجة مهما كان الثمن...
-"مهما كان الثمن"أو "رهينة الماضي" أقول لك تعااال..وهي تلتفت خلفها بخوف... "
أحمد وهو لا يسمع ما تقوله له أخته:
-قفي هنا هيا.
انصاعت مريم لأوامره، سترى ما يؤوول إليه الأمر، أغلقت الباب خلفها،كانت على اليمين وأخوها على الضفة اليسرى، اقتربا من بعضهما وهما ينظران إلى الدجاجة التي قبعت في الزاوية وهي تبقبق بصوتٍ عال وتحرك رأسها بجنون وتصفق جناحيها لكي تطير وتهرب ولكن هيهاات!!
كان شكلها يثير الضحك والأسى في نفس الوقت، الشعور بأنها فريسة مطاردة يوشك أن يُنقض عليها وهي ليس بيدها شئ، ليس بإمكانها أن تهرب، فقط تنتظر مصيرها، ومصيرها بيد صيادها، أتراه سيرأف بحالها أم ستنتظرها سكين الجزار ليلوي عنقها؟!!
نظرت إلى الجزار الذي يقف بجانبها وهمست بصوتٍ واطئ مليء بالإثارة والترقب وكأنها استمتعت بلعبة الصياد والفريسة:
- هااا، ماذا ستفعل؟!
وبعينان مليئتان بالشيطنة وبابتسامة شريرة:
- سأمسكها طبعاً.
مدّ أحمد يديه ببطء وقلبه يدق بقوة كقوة نقيق هذه الدجاجة، لكأنها أحست بقرب نهايتها فلم تملك إلا الصراخ.
قبضها من عنقها كي لا تفلت من يده،كانت تتلوى بين يديه وكادت أن تنزلج لولا أن ساعدته مريم فقبضها من جذعها وشد جناحيها إلى أعلى:
- "أحمد" لا تؤذها..أمسكها بلطف..
- كيف؟ هي تحس؟؟
- بالطبع أيها الغبي،أليس لها روح..
…………..-
-والآن اتركها لقد تأخرنا..
- ماذا لقد أمسكتها أنا،هي لي أنا..
قرصته في خده وصاحت في وجهه بغضب:
-قلتُ لك اتركها إنها ليست لنا، بسرعة قبل أن يأتي أحد ويظن أننا سرقناها..
جعد "أحمد"فمه الصغير، وارتعشت شفتاه وهو منكسٌّ رأسه:
- هذه أول مرة أمسك فيها دجاجة،أريد أن أريها بابا..
حزًّ في نفسها منظره، إنها لا تتحمل أن تراه حزيناً أو غاضباً، لاتقوى على ذلك، تحبه كابنها بل كروحها، ألم توصها أمها عليه قبل موتها؟! إنه بقيةٌ من روح الغالية، قطعةٌ منها، بل نسخةٌ منها وفمه المرتعش يشهد على ذلك!!
قالت بصوتٍ رقيق وهي ترفع رأسه:
- لا نستطيع أخذها معنا، هذه سرقة والسارق يدخل النار، أعدك أن أطلب من "محمد"أن يذهب بك إلى السوق ويشتري لك دجاجة.
هزّ رأسه ودموعه تنزل على خده المحمر:
- كلا،كلا،أنا أريدها هي،أريد أن أريها بابا.
رقّ قلبها لمرآه،دموعك غالية ياصغيري،أغلى من هذه الدجاجة:
-ماذا أفعل ياربي..طيب سنأخذها..
تهلل وجهه ومسح دموعه وهو يقبل أخته،فتح الباب وهو يركض جذلاً،ركضت مريم خلفه بسرعة وهي تضحك في سرها:
-ماذا فعلت!!يالي من مثال يُحتذب به..سنشتري دجاجة ونردها لهم،لايوجد فرق بين دجاجة وأخرى كلها بهائم!!!
- انتظر لاتسبقني..
تجمدت في مكانها،وتوقف "أحمد"الصغير عن الضحك،وسرعان ماعاد إلى أخته والدجاجة بيده واندسّ خلفها..
نظرت "مريم"إلى الرجلان الواقفان أمامها وهما ينظران إليها بذهول واستغراب،احمرَّ وجهها وبانت علامات الذنب على وجهها،لم تستطع أن تنطق بكلمة،مرت فترة خالتها دهراً وودت في تلك اللحظة أن تنشق الأرض وتبتلعها..
- ماذا تفعلان هنا في مزرعتي؟!
رفعت رأسها نحو الصوت الغاضب،كان طويلاً أسمر البشرة،حاجباه معقودان في المنتصف برشاقة،يرتدي بنطالاً من الجينز وقميص أبيض ضيق يبرز جسده،خافت من شكله الغاضب ولم تحر جواباً..
-ألا تسمعين،ماذا تفعلان هنا؟
"-خالد"لا تصرخ هكذا في وجه الفتاة،لقد أخفتها،انتظر لنسمع ونرى ما الأمر..
نظرت إلى المتكلم الآخر ولم تنبس أيضاً ببنت شفه.
أحست "مريم"بأخيها يزداد التصاقاً بها من الخلف وجسده يرتعش، صاح "خالد":
- الأمر واضح،انظر للدجاجة وستفهم،وأنا اتساءل كيف يتناقص عدد الدجاج كل أسبوع واتضح الأمر لي الآن..أليس كذلك أيتها السارقة؟!!
كلمات كثيرة تقاذفت في رأسها،لسانها يخونها أحياناً في وقت الشدة،وفجأة سمع الجميع صوت بكاء من الدرجة الأولى، كان "أحمد"يبكي بعنف وهو يمسك بتلابيب عباءة أخته وفي ذات الوقت يمسك بالدجاجة بيده الأخرى حتى كاد أن يخنقها.
لم تتمالك"مريم" نفسها حينئذ وأخيراً صاحت في وجه الرجل الطويل الغاضب:
- لا تصرخ في وجهي،لقد أخفت الطفل أيها الغبي الأعمى،أنا أسرق دجاج؟؟ ماذا تظن نفسك لكي تنعتني بالسارقة من أجلها..وإن كان على هذه الدجاجة –التفتت إلى أخيها وهي تنظر إليه شزراً فسكت ثم تناولت منه الدجاجة واقتربت من الرجل الطويل ورمتها في وجهه:
-خذ دجاجتك..
تراقصت آلاف الشياطين أمام عينيه وأحسّ أخاه أنه يكاد أن ينفجر،فأمسكه من ذراعه ولكن الأخير أبعدها بقوة وتقدم من الفتاة التي ابتعدت إلى الخلف وهي تحاول أن تتمالك أعصابها ولا تصرخ من الخوف،نظرت إليه ببرود وقلبها يكاد أن ينخلع وهي تستند إلى السور،أمسك بيدها وهزها بعنف حتى شعرت أن عظامها تحطمت،لكنها لم تصرخ بل عضت على نواجذها بقوة لتكتم صرختها، وبشجاعة لم تتوقعها هي من نفسها صفعته على وجهه بقوة، فأطلقها وهي تترنح إلى الخلف:
-إذا أمسكت يدي مرة أخرى سأقطعها لك أيها الحقير..
(2)
تراقصت آلاف الشياطين أمام عينيه وأحسّ أخاه أنه يكاد أن ينفجر، فأمسكه من ذراعه ولكن الأخير أبعدها بقوة وتقدم من الفتاة التي ابتعدت إلى الخلف وهي تحاول أن تتمالك أعصابها ولا تصرخ من الخوف، نظرت إليه ببرود وقلبها يكاد أن ينخلع وهي تستند إلى السور،أمسك بيدها وهزها بعنف حتى شعرت أن عظامها تحطمت، لكنها لم تصرخ بل عضت على نواجذها بقوة لتكتم صرختها، وبشجاعة لم تتوقعها هي من نفسها صفعته على وجهه بقوة، فأطلقها وهي تترنح إلى الخلف:
- إذا أمسكت يدي مرة أخرى سأقطعها لك أيها الحقير..
تقدم منها مرةً أخرى فصرخت:
- تمدُّ بدك على فتاة، أهذا ما تستطيعُ فعله؟؟
- اعتذري وإلا قسماً سأريكِ شيئاً لن يسركِ...
خاطبته بنفس اللهجة:
- قسماً إذا لم تبتعد ستندم طوال حياتك..
ضحك ضحكةً قاسية ونادى بصوتٍ مرتفع:
- عثماان،عثمااان..تعال بسرعة..
لهث عثمان وكان عاملاً هندياً:
-عثمان احضر الكلب الجديد بسرعة.
وما أن سمعت "مريم"اسم "الكلب" حتى امتقع وجهها وصار لونه مائلاً للبياض..
التفت له "راشد" وهو يتوسل إليه:
-"خالد"ماذا تريد بالكلب، "خالد" اهدأ هذه فتاة، لا تجعل عقلك بعقلها.
-اخرس أنت واغرب عن وجهي، سأأدب هذه الوقحة..
- لاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
اخترق صوت صراخها الفضاء وجسدها يهتز بعنف وفمها يرتعش بقوة:
- لاااااا ، كلب لا، لالالالالالالا.
نظرا إليها وهي تصرخ كالمجنونة، وأحس "خالد" بتأنيب الضمير.
تعالت أصوات الكلب وعثمان يجره من سلسلته المعدنية، كان كلباً بوليسياً كريه الشكل مما يستخدم في الحراسة، وما أن رأته "مريم" حتى دفنت وجهها في صدر أخيها الصغير وهي ترتجف وتصيح:
- لااااا، حرام..حرام..لاااااا ابعدوه، أماااااااه، أمااااااااااه.
صرخ "راشد" في العامل بغضب:
- "عثمان" أبعده، ارجعه إلى مكانه.
ومن بعيد ركضت "أمل" وهي تسمع أصوات الصراخ العالية..
تقدم راشد منها وهو يقول:
- أختي اهدأي، لقد ذهب الكلب.
لكنها استمرت في الصياح بهستيرية، و"خالد"ينظر لها باستغراب والذنب يقطر من وجهه.
- لااااا، الكلب لا، أريد أمي، أمييييييييييييييييييييي.
- صغيري أخبر أختك أن الكلب ذهب.
كان "أحمد" يبكي بصمت طوال الوقت ..هو من وضع أخته في هذا الموقف..نظر إلى "راشد" الذي خاطبه، ثم التفت إلى أخته التي كانت تبكي في حجره وقال بهدوء:
- "مريوووم" ماما ماتت لن تستطيع أن تسمعكِ الآن..
بهت الرجلان لكلامه، وكفت مريم عن الصراخ، وفي هذه اللحظة وصلت "أمل" وهي تنظر للجميع بدهشة:
- ماذا يحدث هنا يا ربي!!
ابتعد "خالد" عن المكان وكأن شيئاً لم يحدث، لم يتبق سوى راشد وأمل، ومريم التي لازالت تبكي في حجر أخيها.
همس "راشد" في أذن أخته بكلمات قليلة فهزت رأسها، ودلفت إلى مريم لتساعدها على الوقوف، لا تزال تنتفض وهي متشبثةٌ بأخيها، أسندتها وهي تقول لها بصوتٍ رقيق:
- لا تخافي سنوصلك للبيت، اهدأي. (ثم دارت إلى راشد الذي كان ينظر لهم متردداً) "راشد" أخبر السائق أن يجهز السيارة.
مشى راشد مسرعاً وهو يبتسم لهم ليطمئنهم، وما أن وصل إلى باب المزرعة حتى رأى أخاه فتلاشت ابتسامته.
"يا إلهي أي أخٍ قاسٍ هو، ماذا فعل بالفتاة، أعوذُ بالله منه".
لم يعبأ "خالد" بنظراته، كان يرقب أخته وهي تسند الفتاة المرتعشة التي كانت تعرج بوضوح، معقول!!! ألم تمشي في البداية بشكل طبيعي أم أن الغضب أعمى بصيرتي عن الملاحظة؟!!
"مريم بالفعل عرجاء، ولكن عرجها من النوع البسيط الذي لا يُكاد يلاحظ لمن لايدقق في مشيتها، ولكنها حين تغضب أو تكون في حالة قلق فإنها تعرج بشكل أكثر وضوحاً.."
خاطب "خالد" نفسه:
- من أي دولةٍ خليجيةٍ هي؟! إما أن تكون بحرينية أو كويتية، هذا واضح من وجهها المكشوف وطريقة لباسها وكلامها!!!
توقفت السيارة السوداء عند باب المزرعة، وخالد لازال يتأمل والرهط يتقدم منه، وفي تلك اللحظة رفعت "مريم" وجهها المبلل وهي تنظر له بقوة من خلال غلالة دموعها، وبصوتٍ مبحوح قالت:
- أقسم أن الأمر لن ينتهي هكذا.
تابعت سيرها وهي تلج السيارة وأحمد بجانبها، وفي الجانب الأيسر جلست "أمل" وهي زائغة، حائرة لا تعرف حقيقة ما حدث وعن أيِّ أمرٍ يتكلمون!!!
[/center]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:01 pm

(3)
توقفت السيارة السوداء عند باب المزرعة، وخالد لازال يتأمل والرهط يتقدم منه، وفي تلك اللحظة رفعت "مريم" وجهها المبلل وهي تنظر له بقوة من خلال غلالة دموعها، وبصوتٍ مبحوح قالت:
- أقسم أن الأمر لن ينتهي هكذا.
تابعت سيرها وهي تلج السيارة وأحمد بجانبها، وفي الجانب الأيسر جلست "أمل" وهي زائغة، حائرة لا تعرف حقيقة ما حدث وعن أيِّ أمرٍ يتكلمون!!!
لم يكن البيت بعيداً، كان يبعد مسافة عشرة دقائق فقط عن المزرعة، أشارت مريم للسائق لمنزلها من بين شهقاتها المكتومة، أما "أمل" فظلت تعتذر وتعتذر دون أن تدري عمّا تعتذر عليه!!!
ترجلت وهي تسحب "أحمد" معها بقوة، دخلت المكون من طابق واحد، تبحث عن والدها، لم يعد بعد، من الصعب أن تتكهن بوقت رجوعه بحكم عمله كسائق سيارة أجرة..
دخلت حجرتها لتلقى أختها الكبيرة جالسة على الكمبيوتر، التفتت إليها هذه الأخيرة، نظرت لها بدهشة:
- ماذا حدث لكِ، لمَ تبكين؟!
لم تجب "مريم"، ارتمت على سريرها، وقد ارتفع بكاءها..
- كاد أن يرمي بالكلب علينا ليعضنا. صاح "أحمد".
- أيُّ كلب وعمّن تتحدث؟؟
- هناك- وأشار بيده ناحية الغرب- في المزرعة، لكنني ضربتهم وصرخت عليهم!!
نزلت "ليلى" بمحاذاة "أحمد" لعلها تفهم شيئاً مما يقوله:
- أحمد أعد عليّ ما حدث..أين كنتم وماذا حدث؟؟
أخذ "أحمد" يحكي كثيراً، ينسى أشياء ويضيف أشياء لم تحدث أصلاً كأفعاله البطولية مثلاً، وليلى تقاطعه وصوت مريم يرتفع بالبكاء...
وفجأة دخل الوالد عليهم:
- بالله عليكم، لم كل هذا الصياح، أيّ مصيبةٍ أخرى حدثت؟؟
رفعت "مريم" وجهها المبلل، تمسح دموعها التي أغرقت وسادتها، كان واقفاً وهو يلهث من شدة التعب، والإعياء ينضح من قسمات وجهه، هرعت إليه وارتمت على صدره الذي طالما احتوى همومهم ومشاكلهم، أخذت تأن وليلى تخبره بما حدث كما فهمت من أحمد، مسح الأب على شعر ابنته وشعور بالغضب يكاد يفتته يقتلع صبره، إنه يعرف ما يثيره هذا الحيوان من ذكرى بغيضة لابنته الحبيبة، حاول أن يهدأها لتسكت وتريح عينيها من البكاء ونارٌ أخرى تشتعلُ في جوفه:
- كفى يا ابنتي، سأذهب لأتفاهم معهم..
- كلا، لا نريد أن نتفاهم مع هؤلاء الكلاب، سنذهب إلى الشرطة لنقتص حقنا..
- يا ابنتي، لا أريد أن تتبهدلي في مراكز الشرطة و...
أبعدت مريم نفسها عن صدره وهي ترفس الأرض بعناد:
- كلا، لن أدعه يهرب بفعلته، سآخذ حقي منه لقد أقسمت...
تنهد الأب بتعب وهو يمسح على وجهه، يعرفها عنيدة كأمها "لم تركتني أحمل عبئهم وحدي"..
- إن شاء الله، سنذهب غداً ارتحتي (ثم التفت إلى "أحمد" وشدّه من أذنه( كل هذا بسببك أنت، مالك ودجاج الآخرين؟
- أخ، أخ، كنتُ سأريها لك.
صاحت مريم:
- دعه يا أبي قد آلمته.
تركه الوالد وهو يخاطبهم:
- أين المصيبة الأخرى، لم أره في البيت؟! كان يقصد أخاهم الأكبر "محمد".
هزوا أكتافهم دلالة النفي، ومنذ متى عرفوا له مستقراً لا هنا ولا في وطنهم، هو بالنسبة لهم شبح يخطف عليهم أحياناً، يتناسون وجوده، يذكرونه سهواً ...
- لقد خرج منذ الصباح، لا أدري إلى أين .... أجابت ليلى.
خرج الأب من غرفتهم وهو يستعيذ من الشيطان الرجيم، لحقته ليلى وهي تنادي:
- أبي، أأسكب لك الغذاء؟
لم يلتفت لها وأكمل طريقه:
- ومن له شهية ليأكل والمصائب تُحذف على رأسه...
عادت "ليلى" لتجلس على الانترنت عشقها الأول والأخير لتكمل ما بدأته، لحق أحمد الصغير بوالده، أما مريم فعادت لتبكي بصمت وهي تستند على الجدار الملاصق لسريرها..
لم يكن خوفها من الكلاب طبيعياً، بل كان رهاباً مرضياً ناتج عن تمزق أربطة قدمها وهي في العاشرة من عمرها بسبب عضة كلب، مما خلف لها عرجاً دائماً، خفَّ أثره مع العلاج الطبيعي والزمن..
استلقت على فراشها وهي تشدُّ الغطاء حولها بإحكام لعلها تبعد صورة ذلك الكلب والرجل الطويل عن ذهنها!!!
(4)
- من أي طينةٍ خُلق، تصرفه لا يمت للإنسانية بصلة!!
لم يعلق "راشد" بل وقف واجماً:
- وأنت لمَ لم تفعل شيئاً؟ كيف تركته يرعب المسكينة هكذا؟؟
هزّ راشد كتفيه بيأس:
- حاولت و لكنك تعرفين أخاكِ، قلبه أقسى من الصخر، لا يسمع كلام أحد.
خرجت "أمل" من غرفة أخيها وهي تصفق الباب خلفها بغضب، ماذا باستطاعة راشد أن يفعل!! حتى والدها لو كان هناك لما فعل شيئاً، كلُّهم يخافونه وينفذون أوامره...
من الصعب أن تُغير من طبع الإنسان حين يكبر، هكذا تربى منذُّ الصغر وهكذا عودوه...القسوة، الأنانية، إيذاء الآخرين كلمات أساسية في قاموسه، ألم يحرمها من البعثة التي حصلت عليها في فرنسا نظراً لتفوقها في الثانوية وتركها تدرس هنا في الإمارات رغم توسلاتها وبكاءها!!!! عادت لغرفتها وهي تتنهد بألم:
- لا فائدة من الشكوى في هذا البيت...
وقف "راشد" عند نافذة غرفته، يفكر في حديث أخته، أفعلاً يخاف من خالد، إنه يحترمه فقط وهناك فرق بين الاحترام والخوف، كلا لا تكذب على نفسك يا راشد، أنت تخافه اعترف بشجاعة على الأقل أمام نفسك!! تخافه لأنه وبإشارة واحدة منه قد يسلب حبيبتك، يسلب "فرح" ابنة عمك، كم كان يكره تهديداته له بأنه سيطلب من والده أن يزوجها إياه إذا لم ينفذ له ما يريد، يحتقر نفسه لأنّ كل أوامره كانت دنيئة مثله!! أتراك كيف تعيش إذا كانت هناك سكين تتدلى فوق عنقك تهددك بالسقوط..بالموت، أتهنأ بالعيش أم تجد للحياةِ طعماً يستحق كل هذا العناء.."فرح"هي حياتي، هي حبي الوحيد بدونها لا أجد للحياة معنى وبها أتحمل تلك السكين المتدلاة فوق عنقي!!! وخوفي الكبير أن تسقط عليّ يوماً رغم كلِّ ما بذلت من جهد..
=========================
تسلل إلى البيت بهدوء، لم يتبق على بزوغ الفجر إلا سويعات، دخل غرفته وأغلقها بإحكام، أخرج الشيء الموجود في جيب بنطاله، رفع كم قميصه إلى المنتصف، وضع المادة البيضاء في الملعقة المعدنية وعصر عليها قطعة ليمونة، أخرج ولاعته، أشعل تلك المادة وفي ثوانٍ أصبحت سائلة.. رخوة، سكبها في حقنة من الحقن التي يستخدمها مرضى السكري، وبيدٍ خبيرة اعتادت على مثل هذا العمل غرزها في وريده الأزرق، أغمض "محمد" عينيه، شعر بدوار وخدرٍ لذيذ، أطياف السعادة ترقص تتعرى أمام عينيه، تهاوى على الأرض بمحاذاة الباب، أطلق شخيره المزعج وصوت الأذان

أشرقت الشمس بحبور فغمرت بأشعتها الآفاق، استيقظت "مريم" من نومها بإجهاد، لم تنم البارحة جيداً ، الكوابيس كانت تلاحقها وأطياف مجنونة أسهدت عينيها...حمدت ربها أنها كانت في عطلة وإلا ما استطاعت القيام بشيء، مريم أنهت المرحلة الثانوية - قسم علمي بمملكة البحرين وحين حضروا ليستقروا في بلد "زايد" سجلت في جامعة الإمارات لتكمل تعليمها العالي، كانت طموحة تقدس العلم وتحترمه لأبعد الحدود ولذا كانت تحصل على درجات متقدمة دوماً..
التفتت لأختها، لا زالت جالسة على الكمبيوتر..متى تنام هذه وماذا تجد في هذا الكمبيوتر حتى تجلس عليه طوول الوقت!!! أنا لا ألومها، في الثامنة والعشرين من عمرها بدون زوج، بدون عمل، دبلوم الإدارة المكتبية مركون في درج ملابسها المكومة..
تأملتها، جميلة هي، بل أجمل مني، بشرتها بيضاء صافية، ملامح طفولية هادئة بريئة، وشعر بني اللون اِحمرّ من تكرار صبغه بالحناء، لمن تبتسم هذه أجنت؟!! نهضتُ من فراشي لأرى ما تفعل..فالدنيا لا أمان لها الآن!!
سقط ظلالي على شاشة الحاسوب، فأجفلت وضغطت فوراً على المربع الصغير Minimize فلم أرى سوى خلفية الشاشة!!
- بسم الله الرحمن الرحيم، لقد أخفتني..
- لم خفتِ هكذا، ماذا كنتِ تفعلين؟؟
ارتبكت ولم ترد عليّ فوراً، وكأنها انتبهت حينها أنني من كنتُ أخاطبها..أنا أختها الصغيرة!! كشرت في وجهي وهي تنظر لي من علو:
- وما شأنكِ أنتِ...
………….. -
- لمَ تنظرين لي هكذا؟!
هززتُ رأسي وأنا أدخل الحمام، وما شأني أنا فعلاً، هي كبيرة وراشدة، وصلت إلى السن الذي يُفترض أن تعرف فيه الصح من الخطأ، وما تفعله الآن شيء خاطىء بالتأكيد فالمجرم تتضح عليه علامات ذنبه بوضوح..
غسلتُ وجهي وأنا أردد في نفسي:
"وما شأني أنا، يكفيني ما أنا فيه، ليس لديّ قدرة لأفكر بمشكلات الآخرين وما يفعلوه، يا نااس أنا أملك قلباً واحداً يرزء بألامه، بأحزانه، بأحلامه التي تبدو صعبة المنال بعيدة كوجه السراب!! ليس بإمكاني أن أسحب هذا القلب وأمدده كي يتسع للآخرين، ليفهمهم وليشاركهم أتراحم، يا نااس افهموني هو قلبٌ واحد أملكه وقد تقرح من همومي فاعذروني....."
تنهدت بضيق، فاليوم ستذهب مع والدها إلى مركز الشرطة لتقديم بلاغ ضد صاحب المزرعة المغرور وكلبه!!!
أما "ليلى" فقد أغلقت شاشة الحاسوب، استلقت على فراشها فالنهار طويل، طويل لا نهاية له وحين يجن الليل ويهجع الآخرين تبقى عيناها ساهرتان تبكيان بصمت الوحدة، تبكي عواطفها المهملة، تندب جمالها الذي سيذوي دون أن تجد من يتغزل فيها، يشعرها بأنوثتها، والرجال اليوم يبحثون عن الصغيرة دوماً، يبحثون عمن تجدد شبابهم كما يعتقدون..
حكموا عليها منذَ زمن ليس ببعيد بالعنوسة، بدفن شبابها وأحاسيسها المرهفة التي تهفو إلى ملاذٍ آمن تأوي إليه، إلى سكينة النفس والجسد، جميع صديقاتها اللاتي في عمرها تزوجن وأنجبن أطفالاً ربما في عمر "أحمد" الآن، كم كانت تكره أحاديثهم، تبغض فرحتهم، اعتزلتهم لم يعد بينها وبينهم أحاديث مشتركة..لا زوج، لا أولاد، لا شيء.....
"ما ذنبي إذا كان أخي مدمن مخدرات سيء الأخلاق، ما ذنبي أنا؟؟ هل أنا من طلبتُ منه أن يستخدم هذا السم اللعين، لم يشيرون لي بالبنان ويشمتون:
- هذه أخوها مدمن مخدرات!!!
ألا يفهم هؤلاء الحمقى أن الإدمان مرض كغيره من الأمراض يُمكن علاجه، نحنُ لم نقصر أرسلناه إلى مستشفى الأمل بالسعودية عدة مرات، لكنه عاد إلى إدمانه مرة أخرى..ما ذنبنا إذا كانت إرادته ضعيفة كنفسه الحقيرة!!! بتُّ أكرهه، أمقته، هو السبب في عنوستي، هو من حطم آمالي بزوج وطفل وبيتٍ يأويني...
- ألو، السلام عليكم..أنا أمُّ العريس الفلاني، السموحة لا يوجد نصيب..الله يوفق ابنتكم بابن الحلال!!!
هكذا تكون حالتها بعد كل مقابلة مع عريسٍ ما، تخاف من رنة الهاتف، تخشى من أن تسمع هذه العبارة المتكررة، الرفض دائماً يلاحقها...
ألا يفهم هؤلاء ألا يحسون، إذا رفضني كل أولاد الحلال لأن أخي مدمن مخدران وهم لا يريدون لخال عيالهم كما يزعمون أن يكون هكذا، فمن سيأخذني...أولاد الحرام؟؟!
مسحت دمعة انحدرت خلسة، حركت يدها أسفل ملاءة الفراش، أمسكت الكتاب الصغير، كانت رواية من روايات عبير تعيش من خلالها فصلاً من الخيال، عالماً وردياً، عالماً يعيش للحب ويثمل بالحب، تحلق في أجواء الرومانسية العذبة، تتخيل نفسها البطلة دوماً وتغير البطل كلما قرأت قصة جديدة، وتنسى كل شيىء، كل شيء، حتى أخوها المدمن!!!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:02 pm

(5)
اجتمعت العائلة في غرفة الجلوس كعادتها كل يوم بعد الغذاء، يحتسون الشاي وهم يتسامرون...
الأب: ومتى سنفرح بك يا ولدي، أريد أن أرى أولادك قبل أن أموت...
نهض "خالد" من كرسيه المجاور لمقعد والده وهو يقبّل رأسه:
- أمدّ الله بعمرك لترى عيالي وعيال عيالي..
ضحك الأب ثم تنهد بضيق:
- لن نأخذ عمرنا وعمر غيرنا.
- العمرُ كله لك يا والدي..ابتسمت له "أمل" برقة.
قاطعتهم الأم:
- إذن ماذا تنتظر يا ولدي، وإذا كان على العروس فهي موجودة.
- أهاا، العروس ومن هي؟! سألها خالد وهو يبتسم.
- أو نسيتها بسرعة.."فرح" ابنة عمك.
التفت حينها لأخيه الذي كان يرقبه بصمت وقد احتقن وجهه فجأة..
"أيُّ قنبلةٍ ألقيتِ يا أمي!!
ألا تشعرين بي..أيّ أمٍ أنت، أتتعجلين بفنائي، بصفع روحي وقلبي معاً، لم لا تحسين، ألستِ بأم، أليس من المفروض بأن تعرفي ما بعيالك، لم هو في المقدمة دوماً وعلى حساب الكل لمَ"....
لم يعلق "خالد"، اكتفى بالابتسام وهو يتلذذ بالغيظ الذي يمزق صدر أخيه، احتسى كوب شايه وعيناه تنظران لراشد من فوق طبقه.
- هااا، ماذا قلت..سأخطبها لك اليوم إذا أردت؟
وضع الكوب على الطاولة وهو يعد في ذهنه حتى العشرة يمزق "راشد"ببروده، يهوي بقلبه إلى القاع...
- لا أفكر بالزواج حالياً..مازال هناك متسعٌ من الوقت لمثل هذا الأمور..
- ولكن..
- أرجوكِ يا أمي، لاتضغطي عليّ أكثر.
- اتركيه يا "أم خالد" إنه يريد أن نموت بحسرتنا دون خلَف..
- حاشاك يا والدي. (ثم عاد ليقبل رأسه من جديد.(
أما راشد فقد تنهد بارتياح وكأن روحه قد عادت، رُدت إليه.."كم يلعب بأعصابي ذلك الوغد".
- أجل يا والدي لا تضغطوا عليه في مثل هذه الأمور، دعوه يتزوج بإرادته وبإقتناع.
التفت له "خالد" وعلّق ساخراً:
- أخيراً نطقت، خلتُ أنّ القطة أكلت لسانك..
وفجأة رنّ جرس الهاتف قاطعاً حديثهم، نهض "راشد" ليُجيب:
- ألو.
- السلام عليكم.
- وعليكم السلام والرحمة.
- منزل السيد خالد محمد "الـ...... "؟!
- نعم.
- هل هو موجود؟
- لحظة.
التفت إلى الجانب الآخر وهو يغلق فم السماعة:
- خالد، هناك من يريدك.
نهض وتناول السماعة وهو مقطب الجبين، كل معارفه يتصلون به على الجوّال!!
- ألو.
- السيد خالد؟
- نعم.
- معك مركز شرطة ال...، أرجو أن تحضر حالاً لأمرٍ طارئ.
- ما الأمر؟!
- ستعرف عندما تحضر.
أغلق "خالد" سماعة الهاتف وهو ينظر لراشد بوجوم.
- من المتصل؟ سأل الأب.
- هااا، لا أحد مهم.
ثم التفت لأخيه وخاطبه بصوتٍ خافت:
- تعال يا راشد، أريدك قليلاً.
خرجا من الغرفة، لحقتهما "أمل"، أما الأب فلم يعلق وكذلك الأم، يعرفان ابنهما جيداً كتووم كغلاف جوزة الهند!!
- تعال معي إلى مركز الشرطة.
شهقت "أمل"وهي تفتح عينيها بإندهاش.
- أعتقد أنّ الأمر له علاقة بتللك الفتاة..(أجاب بغيظ.(
- إذن لن أذهب معك..(ردّ "راشد("
- لماذا؟!
- لأنك كنت مخطئاً حينها وتستحق ما يجري لك الآن..
- ستأتي رغماً عنك، وإلا...أنت تعرف ما سأفعله..
نظر إليه بتهديد وقد اسودت عيناه، تحرك فكُّ "راشد" ليتكلم لكنه أحجم، حدّقت "أمل" في وجهه الذي احمرّ، زفر دون أن يرد، شعرت بذله، إلى متى سيظل يهددهم ويتحكم فيهم؟؟
- سأخبر أبي بما فعلته للفتاة وأنا متأكدة أنه لن يسكت هذه المرة على فعلتك المشينة..
أمسك بمعصمها بقوّة وهي تصرخ:
- صه، اذهبي إلى غرفتكِ الآن ولا أريد أن أرى وجهكِ هذا، لاينقصني إلا الأطفال ليتكلموا...
"- خالد" اتركها وأنتِ يا أمل اذهبي فوق..
طفرت الدموعُ من عينيها، وغصّة مدفونة في صدرها تخنقها خنقاً، منذُ أن خنق حلمها بالسفر إلى الخارج لتدرس، نظرت إليه بكل الحقد والكره المكبوت:
- أنت بغيض بدرجة مقيتة، لا أحد يحبك هنا، أنا أكرهك..أكرهك.
حاول أن يمدّ يدهُ عليها مرةً أخرى، لكّن راشد وقف لهُ بالمرصاد، إنها أخته الصغيرة وقارورة قبل كلّ شئ:
- أمل اذهبي إلى غرفتكِ فوراً..
تراجعت "أمل" إلى الخلف وهي تنظر إليه بغضب هو الآخر:
- مثلك لا يوجه إليّ الأوامر، أتدري لمَ، لأنك جبان..جبان..جبان.
بهت راشد في مكانه مصدوماً، ذهبت بعد أن طعنت رجولته بكلمات..ما أقسى الكلمات..لها دويُّ في النفس أمضى من الفعل....ومريضُ القلبِ تجرحه الحقيقة..أين سمع هذا البيت..شطرهُ شطراً!!!
- هيه، أنت إلى متى سنقف هنا.
…………………. -
- راشد!!! (لكنّ الآخر كان بعالمٍ آخر. ضربه على كتفه بخفة).
- راشد هيااا..
دلفا إلى مركز الشرطة، أحدهما بشرود والآخر بغيظ..
(6)
غسلت الأواني كيفما بدا وقلبها يخفق من شدة الفرح، أخيراً سيتغير روتين حياتها، أخيراً ستحسُّ بنفسها وباستقلاليتها، ستكون شيئاً ما، شيئاً منتجاً و مهماً....ستتوظف!!!
اتصلت بها في الصباح شركة مقاولات كانت قد قدمت بها مسبقاً لوظيفة سكرتيرة واليوم وبعد مرور شهرين من تقديم الطلب وافقوا على مقابلتها..
ترنمت بصوتها الجميل وهي تميلُ برأسها، أمسكت بملعقة معدنية، لم تكمل غسلها بالصابون، تلمست انحناءها الشاذ إلى الخلف، بللتها بالماء وهي تتفحص الإسوداد الموجود أسفلها، ماتت الفرحة من على شفتيها، دققت فيها لثوانٍ ثم ركنتها في طرفٍ لوحدها وهي تتنهد:
- لن يتوقف أبداً...متى يموت ونرتاح منه!!! عضت على شفتيها وهي تستغفر الله..ماهذا الكلام إنه أخوها قبل كل شيء...

دخل المكتب بنظارته السوداء، يتقدم أخاه بجسده الفارع، ألقى التحية على الجميع دون أن ينظر لأحدٍّ معين.
- أنت السيد خالد؟
- نعم.
- اعطني بطاقتك المدنية و تفضل بالجلوس لو سمحت.
جلس بمقابل الأب وابنته، ينظر للأخيرة بثبات دون أن يحول عينيه عنها، نظرت إليه بنفس الهدوء وقد جلس "أحمد" الصغير في حجرها.. بينما ظلًّ "راشد" واقفاً لعدم وجود كرسيٍّ شاغر..
كان الأب عاقداً ذراعيه، يتفحص من تهجم على ابنته، من أثار لها ذكرى الطفولة الأليمة، كان خالد مرتدياً ثوباً أبيضاً ناصعاً، شماغه مربوط إلى الخلف على الطريقة الإماراتية، بدا جذاباً ومهيباً تلك اللحظة..
"يبدو من عائلة محترمة بلا شك، المظاهر كثيراً ما تكون خادعة" هكذا تساءل الأب في نفسه!
تطلع الشرطي إلى البطاقة بحيرة، نزع قبعته وهو يتحسس شعره المجعد:
_ أأنت ابن السيد محمد "الـ...... " رجل الأعمال المعروف؟!
ردّ باقتضاب:
- أجل.
- أليس هو من بنى دار رعاية الأيتام الجديدة؟
- نعم.
- أهااا.
"تساءلت مريم في نفسها، لمَ كل هذه الأسئلة التي لا معنى لها وتلاقت عيناهما في تلك اللحظة وقد ارتسمت على شفتيه شبه ابتسامة مغرورة، أمّا الأب فقد فزّ قلبه وبدأ جبينه يتصفد عرقاً، أهذا ابنه؟ مالنا وهؤلاء الناس، أين نحن وأين هم، فرقٌ شاسع بينهم، المال والفقر، هو الفرق بين الثرى والثريا...."
سكت الشرطي برهة وهو ينظر للطرفان، ثم تنهد:
- اسمع يا سيد "خالد" سندخل في الموضوع دون إطالة، هذه الأخت- وأشار إلى مريم - تدعّي أنك تهجمت عليها بواسطة كلب و....
حينها صرخ "أحمد"الصغير وهو يبتعد عن حجر أخته:
- أجل، كلباً كبيراً وكريهاً، ولكن ليس أكبر من صاحبنا هذا..
أطلقت"مريم" ضحكة صغيرة فرّت من حلقها رغماً عنها ورغم جدية الموقف .
"من أين جئت بهذا الكلام الكبير يا أحمد"، زمجر الأب في وجه ابنه:
- عيب يا أحمد ما هذا الكلام، اعتذر للرجل فوراً.
- لكن يا أبي هو الذي...
- اذهب قُلت لك وإلا صفعتك أمام الجميع.
- لا يوجد أي داعٍ لذلك يا سيدي، إنه مجرد طفل..ردَّ خالد.
التفت إلى مريم، التي كانت تضع يدها على فمها وقد احمرّ وجهها من أثر الضحك المكبوت، انتبهت إليه وهو يراقبها فأخذت تكح على سبيل التمويه، كم تبدو جميلة وهي تضحك، تبدو بريئة كالأطفال..
طأطأ "أحمد" رأسه بذّل، بكى في خاطره لِمَ يصرخون عليه دائماً، لقد أصبح رجلاً الآن، من سيحترمه بعد اليوم!! تمنى أن يكبر وتنمو عضلاته ليريهم قوته الحقيقة..متى أكبر متى؟!
- أنا آسف.قالها بتعثر.
- لا عليك يا صغيري.
لا زالت تسعل..من شابه أخته فما ظلم "ههههه"!! كانت تودُّ أن تغادر المكان لتُخرج ضحكتها قوية مجلجلة، لكنها خجلت من نفسها، هؤلاء رجال، ماذا سيقولون عنها..مجنونة؟!
- أتريدين كوب ماء؟ سألها بسخرية لاذعة.
ماتت الضحكة على الشفتين ولم تعلِّق، لِمَ لا يعمل منغصاً للأفراح؟!
- احم، احم. (تنحنح الشرطي وهو يكمل( لنعد إلى صلب الموضوع، هذه الأخت تتهمك بأنك حاولت أن تتهجم عليها بواسطة كلب، فما قولك في هذه التهمة؟
- وأين شهودها؟
شهقت مريم وهي تتعجب من وقاحته، التفتت إلى الشرطي وهي تشير إلى "راشد":
- ذاك الواقف أمام الباب كان موجوداً معنا آنذاك، أسأله..
خاطبه الشرطي بنبرةٍ جادة:
- هاا، ما قولك؟؟
ارتبك راشد، نظر إلى أخيه، كان وجهه جامداً لا تبين ملامحه:
- في الحقيقة، في الحقيقة...
لكنّ "خالد" قاطعه وهو يدير له ظهره ويخاطب الشرطي مبتسماً:
- عذراً على المقاطعة، أنا لا أنفي أنّ في اتهامها جانباً من الصواب، ولكن تخيل يا سيدي أنك صاحب مزرعة يُقفل بابها دوماً لمنع المتطفلين – التفت حينها لمريم ثم أردف – وتجد أشخاصاً يخرجون منها ومعهم دجاجة!! مالذي سيدور في خاطرى غير أنهم لصوص!! لذا كان حتماً عليّ أن أدافع عن مُلكي.
- إذاً أنت تعترف بأنك هددتها بالكلب.(سأله الشرطي.(
- أنا لا أعترف بشيء، وإذا كانت تعني بالشهود أخي، فإنّ كلمتي أنا وأخي ستكون ضدّ كلمتها هي وهذا الطفل..
صرخت "مريم" وهي تصرّ على أسنانها:
- أو تجرؤ على الكذب...ألا تخجل من نفسك في مثل سنِّك وتكذب، ماذا تركت للصغار؟؟!
- مريم.. (شدّ الأب يد ابنته وهو ينظر لها شزراً فصمتت.(
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:04 pm

تجاهلها وهو يكمل مخاطبة الشرطي:
- وبهذه المناسبة أغتنم الفرصة لأبلغ عن سرقة دجاجي، والمتهمة هنا موجودة!! ولديّ بدل الشاهد عشرة..
فتحت "مريم" عينيها على أوسعهما دهشةً..من جاء يبلغ عمّن!!!
- أنا لم أسرق، كل ما في الأمر أنّ أخي اصطادها وأصرّ على أخذها معه..طفل صغير كيف أقنعه!! وكنّا سنشتري لكم دجاجة أخرى على أية حال.
ابتسم خالد وكأنما أعجبه حديثها معه:
- دجاجُ مزرعتنا يختلف عن الدجاج الآخر.
- كيف؟! ريشها مصبوغ بالذهب مثلاً؟!!
اتسعت ابتسامته لكنه ابتلعها بسرعة، عقد حاجبيه الرفيعان، سرعان ما التصقا عند المنتصف:
- أنتِ من بدأتي أولاً.
نظرت إليه دون تصديق، هل يسخر منها، تساءلت في نفسها: أكل هذا من أجل دجاجة لا يتجاوز سعرها ديناران بالعملة البحرينية؟! أليس موضوعاً سخيفاً بل مضحك...كلا، كلا ليس مضحكاً، كان سيكون مضحكاً لو لم يحضر ذلك الكلب الكريه...
- أنا اعتذر بالنيابة عن ابنتي وابني الصغير عمّا فعلوه، وأرجو أن تغفر لهم تجرأهم على ممتلكاتك، إنهم أطفال وحديثوا العهد بهذه البلاد الكريمة..
كان الأب هو من تكلم حينها، تطلعت إليه وجهه محمّر وقد تلألأت حبات العرق على جبينه الأسمر المغضن، إنه يعرق كثيراً رغم برودة الجو!!
- أبي….
هزّ الأب رأسه، عيناه تخاطبانها ترجوانها أن تصمت، لكن يبدو أنها لم تفهم لغة العيون:
- أبي نحنُ لم نفعل شيئاً خاطئاً لتعتذر..
- قلتُ يكفي......نظر لها بحدة فصمتت وهي تكاد ُ تتفتت من الغيظ .."لماذا انقلب والدي هكذا فجأة"!!
التفت إلى الشرطي وهو يخاطبه ببطء:
- سيدي الشرطي ابنتي ستتنازل عن البلاغ.
نظر هذا الأخير إلى "مريم" لكنها لم تجب، لازال رأسها مطرقاً إلى الأرض وهي ممسكة "أحمد" بقوة.
- هاا، ماذا تقول الأخت؟؟ أتقبلين بالتنازل؟
رفعت رأسها لتجد "خالد" يبتسم وهو يراقبها، في عينيه بريقٌ واستكانة، يتابع ما يجري بصمتٍ وحبور، هزّ رأسه بخفة ثم رفع أحد حاجبيه الرفيعين لكأنهُ ينتظر إجابتها أيضاً، ودت لو تمسح هذه الابتسامة البغيضة عن وجهه، لقد أغاظتها.."لماذا جئنا إلى هنا إذا كنا سنتنازل أصلاً؟! أين كلامك يا أبي؟؟ أين تهديداتك بأنك لن تسكت عما فعله بي..أذهبت الكلمات أدراج الرياح، أم أنّ كلمات النهار يمحوها النهار أيضاً، لم جبُنت هكذا يا أبي لِمَ؟؟
- هاا، ما قولك؟ كرر الشرطي سؤاله.
لم تُجب، "لو يوقف هذه الابتسامة فقط!!"، انتبه لها والدها وهو يستعجل ردها، لكنها كانت شاردة، أمسكها من مرفقها، عادت لتلتفت إليه، لازال وجهه محمراً ومعرقاً...
هزت رأسها بالنفي، فضغط على ذراعها بقوة، احمرّ وجهها من الإحراج، عادت لتهز رأسها بالإيجاب.
- قولي للشرطي أنك تتنازلين عن القضية.
- أ..أنا ات..اتناازل.
تنهد الشرطي بارتياح، أما هي فلم تقوى على النظر إلا شيء إلا حذائها الي كان جسد "أحمد" يحجبه!! لم تود أن ترى وجهه لابد أنهُ لا يزال يبتسم..
- وقعي هنا لو سمحتِ..
ناولها القلم، أمسكته بارتجاف ووقعت دون أن ترى بوضوح..أخذ الشرطي منها الدفتر وقربه من "خالد":
- وقع هنا أيضاً هذا التعهد بعدم التقرب منها.
التفت إليها وهو يطرف عينه اليسرى، نظرت للجانب الآخر وهي تمط شفتيها بضيق:
- القلم لو سمحتِ يااا.... أختي..
رفعت القلم لتركنه على الطاولة لكنها غيرت رأيها، مدت يدها لم تكن المسافة كبيرة بينهما، مدّ يده ليتناوله لكنها آنذاك أسقطته..
والتمعت عيناه ببريقٍ غاضب جمدهُ بسرعة لكنها لاحظته، ابتسمت باستهتار وهي تتمتم:
- معذرةً.
- لا بأس عندي قلمٌ آخر. (وتناول "خالد" القلم من الشرطي وهو يوقع بسرعة.(
- يمكن للجميع أن ينصرف الآن.
خرجت عائلة مريم أولاً، كانت هذه الأخيرة غاضبة من والدها، لقد أحرجها، جعلها طفلة أمامهم لا رأي لها، لم تتعود على هكذا، عودتها أمها دوماً على الجرأة، على أخذ حقها وعدم التنازل عنه أبداً، ساروا في الممر بضع خطوات دون أن ينبس أحدهم بكلمة:
- بابا..أريدُ أن أذهب للحمام.. (قال "أحمد" وهو يمسك ببطنه.(
التفت الأب حوله، فرأى سهماً يشير إلى دورة مياه للرجال.
- اجلسي على كراسي الانتظار تلك، سأذهب معه ونعود.
لم تعلق، لا زالت غاضبة منه ومن الموقف برمته، عضت على شفتيها وذهبت لتجلس على كرسيٍّ محاذٍ للجدار، عقدت ذراعيها حول كتفيها وهي تنظر إليهم وقد ابتعدوا في الناحية الأخرى..دقت الأرض بقدمها اليمنى بملل وهي تتأفف بضيق.
في تلك اللحظة لمحها "خالد" ولم ينتبه لها "راشد"الذي كان مندمجاً في اتصالٍ ما.
- "راشد" اسبقني للمنزل، لديّ عملٌ مهم وسألحقك بعد قليل..
هزّ "راشد" رأسه بإيجاب وانصرف بينما سلك "خالد" الطريق الذي يؤدي إليها، وبكل الحنق والغضب الذي يشعر به تقدّم تجاهها وتذكر حركة "القلم" ونظرة الاستهزاء بعينيها، تقدم ببطء شديد دون أن تشعر بوقع خطواته وما أن وقع ظله عليها حتى التفتت ناحيته..
ماذا سيحدث بينهما؟؟...
(7)
هزّ "راشد" رأسه بإيجاب وانصرف بينما سلك "خالد" الطريق الذي يؤدي إليها، وبكل الحنق والغضب الذي يشعر به تقدّم تجاهها وتذكر حركة "القلم" ونظرة الاستهزاء بعينيها، تقدم ببطء شديد دون أن تشعر بوقع خطواته وما أن وقع ظله عليها حتى التفتت ناحيته...
أجفلت في مكانها، مال برأسه تجاهها وقد استند بيده اليمنى على ذراع الكرسي، رأت وجهه عن كثب لأول مرة، هي ليس من عادتها أن تُحدق بأحد خصوصاً إذا كان رجلاً لكنهُ كان يحدق بها بطريقة غريبة لم تفهمها وأخيراً نطق وهو يبتسم بسخرية:
- أين ذهب ال..البابا؟؟!!
……………………. -
- أتركوكِ هنا لوحدك؟ مسكينة.
……………………. -
وهزَّ رأسه وهو يتظاهر بالحزن، أما هي فلفت وجهها للناحية الأخرى دون أن تُجيب.
- أتمنى أن تكوني قد استفدتِ من درس اليوم وتعلمتِ ألا ترفعي أنفك أمام من هم أرفع منكِ مقاماً..
…………………….. -
- تُقيمين على أرضنا وتشتكين علينا!! أعتقد أنّ هذا خارج عن حدود الأدب!!
…………………….. -
- أنتِ بحرينية صح؟! لمَ لا تجيبين، أم تخجلين من هويتك لأنكم "هنوووود الخليج"!!!!
رمشت عيناها الواسعتان مراراً وتكراراً، وصدرها يعلو ويهبط بسرعة وقد ضاق تنفسها..عضت على شفتيها بقوة حتى كادت أن تدميها، "لا، لن أرد عليه،بل ردي، دافعي عن نفسك، دافعي عن وطنك، افهمي هذا الحقير كيف هي بلادك، كيف هي البحرين، افهميه أن الدنيا لا تُقاس بالمال ولا بالمستوى الاجتماعي، بل بالباقيات..بالباقيات الصالحات..مشكلة الأغنياء أن المادة تُعمي أبصارهم، لا يرون أبعد من أنوفهم، عقولهم ضيقة وتعصبهم أبله مثلهم!!
- لِمَ تتنفسين بسرعة وكأنّ أحداً يُلاحقك؟!
وانقطع ذلك الخيط الذي يحكم زمام نفسها، تصاعدت الكلمات إلى ذهنها كثيرة معظمها شتائم..لآ تدري!!
- أنت..أنت..أنتَ. (كررتها بتقطع).
- أنا ماذا؟
سألها بهدوء وقد دكنت عيناه فبات لونهما أكثر سواداً، أبعد يده اليمنى عن ذراع الكرسي وضمها إلى صدره وهو ينتظر.
لم تُكمل، لفت وجهها مرةً أخرى إلى الجهة الأخرى، كررت رمش عينيها في محاولة فاشلة لمنع دموعها من النزول، لم ينربط لسانها فجأة ولا تقوى على الرد، ولم تكاد تبكي، بل إنها تبكي الآن، أيّ دموعٍ بلهاء أذرف!!!
- أ..أتبكين؟!
سألها بحيرة وقد ضاقت عيناه وبدا بؤبؤاه نقطتان صغيرتان تلمعان من بعيد.
غطت وجهها بيديها الصغيرتين وهي تبكي بصمت، خجلة من نفسها، خجلة من دموعها البلهاء، والغريب أنّ غضبها تبخر فجأة وكل ما تشعر به الآن لوعة.. حسرة تعصف بكيانها، ربما لأنها تشعر بأنها غريبة في غير أرضها، وقد أُهينت دون أن تقدر أن تدافع عن نفسها، حتى والدها صمت، جبُن هو الآخر وذهب ولم يعُد حتى الآن..
- أنا آسف..
ابتعد عنها وهي لا زالت موشحة بوجهها، اختفت خطواته الثقيلة، تناهت إلى أذنيها خطوات أخرى جديدة، خطوات حفظتها عن ظهر قلب بعدد سنوات عمرها الثامنة عشر، إحداها صغيرة تحبها بل تعشقها بجنون والأخرى تحبهاا أيضاً!!!!
"- مريووووم" لم تبكين؟
أبعدت يديها وهي تمسح ما بين أنفها، تطلعت إلى والدها من بين غلالة دموعها، نظر إليها بصمت وقد تغضن جبينه وبدا أكبر من عمره ب10 سنين، "لم جئت بنا هنا يا أبي.." فتح فمه لكنه صمت، لم يملك إجابة، لا بل الإجابة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، "أرجوكِ لا تنظري إليّ هكذا..نظراتكِ تقتلني تذكرني بها..بالمرحومة..هنا أفضل لكم..هنا لا يعرفكم أحد..هنا لا يتهامس عليكم الناس، لا يعرفون أنّ أخاكِ مدمن مخدرات..كانت تريد لكم السعادة، تريد لليلى أن تتزوج..ذهبت أجمل سنين عمرها دون زوج..أتعتقدين أنني لا أشعر بوحدتها، لا أرى دموعها المخبئة في مقلتيها تنتظر الخروج..تبحث عن مرفىء يظللها يحميها من سخرية وشفقة الناس، الناس هم سبب كل المشكلات، لم لا يتركونك بحالك، لم لا يخرسون ألسنتهم..لم هم هكذا هؤلاء الناس؟!!....
سار الأب دون أن ينهي حديث العيون، هزت "مريم" رأسها بأسى وهي تمسك بيد "أحمد" وولجوا سيارة "البيك آب" الزرقاء..

أما "خالد" فقد ساق سيارته وهو يشعر بالاختناق، بدا الطريق إلى منزله بعيداً، بعيداً.. لم يكن من عادته أن يعتذر، ولكن دموعها صدمته، خالها ستصرخ عليه، ستلقي عليه كلماتٍ ثقيلة مثلاً، أما أن تبكي فهذا لم يخطر بباله قط..شعر بالندم، بالضيق..تنهد وهو يضغط على زر المسجل، ثم غير مسار طريقه، ذهب إلى شقة صديقه "فيصل"، هناك سينسى مشاعر الضيق التي تعتريه، وسينسى هذه الفتاة ودموعها الخرقاء، سيبعد طيفها الذي لا يفتأ يلوح أمام عينه..
هزّ رأسه عدة مرات، أوقف سيارته وهو يبصق على الأرض، وما أن ولج الشقة حتى نسيَ كل شئ وبدا خيالها أمامه باهتاً لا يكادُ يبين..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:05 pm

(Cool
ارتدت "ليلى" أجمل ما لديها، أخذت تطالعُ نفسها في المرآة ربما للمرة المليون!!! وفي كل حين تبدّل وشاحها وهي تسأل "مريم" أيها يلاءمها أكثر والأخيرة تردُّ باقتضاب دون تركيز.
- أتعتقدين أن الوشاح الكحلي يناسبني أم الأسود؟
رفعت "مريم" بتأفف وهي ترد:
- الأسود أحلى...
عبست "ليلى" في وجه أختها:
- ولكني أعتقد أنّ الكحلي يضفي عليّ نضارة وإشراق، يجعلني أبدو أصغر سناً!!
- لاحووول..البسي ما تشائين، إنها مقابلة للعمل وليست مقابلة زواج!!
صمتت "ليلى" وهي تخلع وشاحها الكحلي ببطء وقد تلاشت فرحتها بسرعة، لمَ لحظات السعادة تبدو قصيرة جداً!! تناولت الوشاح الأسود و"مريم" تطالعها والندم يقطر من وجهها، نهضت من سريرها واقتربت من أختها، مست كتفها بلطف لكنّ الأخيرة لم تلتفت لها:
- لم خلعتِ الأزرق، بدا جذاباً عليكِ...
عقدت "ليلى" حاجبيها وهي تُدير وجهها ببرود:
- ألم تقولي أنّ الأسود أحلى..
ابتسمت "مريم" وهي تقول:
- تعرفينني أحبُّ هذا اللون، لكنّ الكحلي يلاءمك أكثر، يجعلك جميلة جداً..
شعّ وجهها بابتسامة خجل، وهي تتفحص وجهها في المرآة من جديد، "إنها طفلة رغم كل شئ..خاطبت مريم نفسها".
- أتدرين ماذا ينقصني..سيارة جديدة محترمة لتتلاءم وأناقتي..تخيلي سأذهب مع والدي بسيارته "البيك آب"، يا له من إحراج..
زمت "مريم" شفتيها بامتعاض وهي تعود لتستلقي على سريرها من جديد:
- ولم الإحراج، هذا ليس عيباً، لم يكن الفقر يوماً بعيب، ثمّ إنكِ لم تحتجي حين كان أبي يوصلك إلى العمل من قبل لمَ هذه المرة مختلفة؟
جلست "ليلى" على الكرسي المقابل بعناية وهي تجيب:
- هذا لأننا كنا في بلادنا، وسيارات "البيك آب" منتشرة هناك بكثرة والكل يركبها بشكل عادي، أما هنا فالأمر مختلف، يهتمون بالمظاهر بشكلٍ كبير..الكل يركب سيارات فخمة.
لم تعلق "مريم" بل شردت في "خالد"، إهاناته لا تزال ترن في أذنيها بشكلٍ مستمر وصورته باتت تتكرر في ذهنها دونما سبب..ّذلك الإماراتي المغرور!!!! أتمنى ألا أراه مرةً أخرى..
شدت اللحاف حولها بقوة وهي تسمع صوت والدها ينادي "ليلى" ليوصلها إلى العمل..يا رب وفقها..من الأفضل أن تشغل نفسها بشئ مفيد بدلاً من الجلوس الفاضي أمام الانترنت، على الأقل عندما تنغمس في عملها ستنسى همومها، ستدفنها ولن تفكر بها، أجل العمل أفضل شئ للمرأة وسلاح تحمي به نفسها أمام الزمن الغادر الذي لا يرحم الضعفاء..متى يبدأ دوام الجامعة..لقد مللت..أسبوعان فترة طويلة..لم تبدو الأيام طويلة لانهاية لها، أغمضت عينيها ممنيةً نفسها بالنوم في هذه الظهيرة، لكن هيهات!!!!
=============
وصلت "ليلى" إلى مكان العمل لم يكن بعيداً، أوقف والدها السيارة وقلبها توقف حينها من شدة الخوف والرهبة، أمسكت شهاداتها وأوراق خبرتها السابقة بيد ترتعش وهي تلج المكان، قرأت الحمد في سرها وهي تتبع موظفة الاستقبال إلى حيثُ غرفة المدير..جلست في غرفة الانتظار المجاورة لغرفته تحاول أن تهدأ من أنفاسها المتلاحقة وهي تخرج المرآة الصغيرة من حقيبتها لتتأكد من شكلها النهائي، لم تكن هذه المرة هي الأولى التي تذهب فيها لمقابلة، لكنّ هنا شئ مختلف، هنا كل شئ ولا شئ..هنا لا أحد!!!!!
أيقظتها الموظفة من تأملاتها وهي تشير لها بالدخول، أغمضت عينيها بقوة وهي تأخذ شهيقاً بطيئاً، طرقت الباب بخفة فأتاها الصوت يدعوها للدخول، دخلت منكسةً رأسها لكنها رفعته بسرعة..تذكرت أنّ النظر إلى الوجه مباشرة من أهم شروط النجاح في المقابلة لأنه يدل على الثقة بالنفس..هذا ما قرأته في كتاب!!!
جلست على الكرسي الذي أشار دون أن يرفع وجهه إليها وهي تتأمل شكله من طرفٍ خفي، وفي تلك اللحظة رفع رأسه، كان في العقد الرابع من عمره، عريض الجسم، حنطي البشرة، ابتسم فأصبحت عيناه الصغيرتان أكثر حدة، نكست رأسها بخجل وقد تورد خديها وعجبت من نفسها: لم كل هذا الحياء!!
ناولته الأوراق، فسقطت عيناها سهواً وبلا وعي على يده اليسرى، كان الخاتم الفضي يزين أصبعه البنصر، لا تدري..شعرت بالإحباط..ربما تخيلت كما في القصص الرومانسية التي تقرأها بأنها ستعمل سكرتيرة وسيقع المدير الشاب الوسيم في حبها!!! وتنتهي قصتهما بنهاية سعيدة كما في الأحلام!!!
أفاقت من أحلامها البائسة مثلها على صوته، ابتسم لها، يبدو ودوداً جداً رغم حدة عينيه:
- اممممم، شهاداتك جيدة لابأس بها.
- أشكرك. (ردت بهمس دون أن تدري بم تُجيب.(
- استقيمين في هذه البلاد لمدة طويلة، أم إنها مجرد زيارة وتنتهي؟
- سنقيم هنا..
- لم تركتِ بلادك؟!
- ظروف...ظروف الوالد. (أجابت بتعثر.(
صمت برهة وهو ينظر إليها مفكراً وهي تزيد من تنكيس رأسها:
- أخت "ليلى" يمكنك أن تبدأي عملك منذُ الغد ، سأنادي لكِ سكرتيرتنا القديمة لترشدك إلى مكتبك الجديد وتشرح لكِ مهامك قبل أن تغادرنا.
رفعت رأسها، لازال يبتسم وقد التمعت عيناه وهو يتفحص وجهها الذي زادت حمرته، ضغط على الزر دون أن يحول عينيه، أتت السكرتيرة ودلفت "ليلى" معها وقلبها يرجف..منذُ زمن لم ترى نظرات إعجاب رجل موجهة إليها، نظرات تحسسها بأنوثتها تشعرها بأنها لازالت مرغوبة، لازالت تلفت الانتباه رغم قرب بلوغها من الثلاثين، اهدأي واخجلي من نفسك يا "ليلى" ماذا تقولين وماذا تتخيلين؟؟ إنه رجل متزوج، متزوج فابعديه عن ذهنك فوراً..
==============
"- فرح" انتظري أين تذهبين؟!
- سأذهب إلى "أمل" إنها تنتظرني منذُ مدة.
اقترب منها وهو يسألها بعتاب:
- أمللتِ مني بسرعة؟
ردت بتسرع:
- كلا، ليس الأمر هكذا يا "راشد" ولكن ماذا سيقولون إذا رأونا نتحدث معاً.
- هاا، ماذا سيقولون؟ سيقولون يحادث ابنة عمه و....زوجته المستقبلية..
احمرّ وجهها بقوة وهي تبتعد عنه لتركب الدرج:
- اذن انتظر إلى أن يحدث ما تقول.
سارت عنه دون أن تنتظر رده، أما هو فقد بقي واقفاً بوجوم يتأمل الدرج، حيثُ سارت وسار قلبه معها، ينتظر؟!! إلى متى ينتظر..."فرح" محجوزة إلى أخيه "خالد" منذُ أن كانا طفلان صغيران، محجوزة؟! كتذاكر السفر، شئ مضحك أن يتم تحديد مستقبلك منذُ ولادتك حتى قبل أن تتفتح عيناك على هذا المستقبل...
فرح لخالد وخالد لفرح..وأنا أين محلي من الإعراب؟! لا هو يريدها بل يعتبرها كأخته الصغيرة وحين تأتي لا يبالي بوجودها، وهي تحبني وأنا أعشقها بجنون ومصيري ومصيرها يتعلق بكلمة تنطق من شفتيه..استغفر الله بل مصيرنا بيد الله، هو وعدني بأنه سيتنازل لي عنها وسيخبر أبي بأن يخطبها لي بدلاًُ عنه وأنا واثق بأن عمي سيوافق، ولكن هذا الخالد لا أثق به، لا يتحرك ولا يتكلم، بل يلتذ بتعذيبي ويكويني بنار الانتظار، إنه يذلني ويجعلني أنفذ كل ما يرغب القيام به وأنا أفعل كل شئ صاغراً مهما كان وآخر شئ هو ما فعله بتلك المسكينة وأنا عاجز حتى عن الشهادة لصالحها ...
أرجوكم لا تلوموني، روحي معلقة بين جنبيه، بإمكانه أن يحرمني منها، ويحوّل أفراح حياتي إلى أحزان لا نهاية لها؟! استغفر الله عدتُ لكلامي الذي لا معنى له..كل شئ بأمر الله، ولكنني بدونها لا أعيش، أتفهمون أموت وأتقطع، بدونها أضيع...بدونها يصبح "راشد" لاشئ أتفهمون..لا شئ..لأنها كل شئ بحياتي..كل شئ..
"آه يا خالد..ارحمني..وارحم قلبي المعذب".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:06 pm

(9)
- كم هو دمث الأخلاق يا "مريم"، جنتلمان بشكلٍ فظيع، تصوري قال لي أن استخدم سيارة الشركة متى ما انتهيت من عملي مبكراً..تخيلي أنا أسوق (بي أم)...واو!!!!
- لقد فلقتي رأسي بمديركِ هذا..
ووقفت تقلدها وهي تمسك بخصرها وتلوي فمها بإستهزاء: المدير قال لي اليوم كذا..المدير فعل هكذا!!!
- أنا المخطئة بكلامي مع طفلة حمقاء مثلك لاتفهم.
- أنا لستُ طفلة يا ماما، سأدخل الجامعة عما قريب.
- مهما كبرتِ ستظلين ساذجة لا تفهمين شيئاً في هذه الحياة.
فتحت "مريم" عينيها باتساع وهي تشتعل غضباً من حديث أختها:
- تركتُ هذا الفهم لكِ ولمديرك..ياااااا...........
وسارت عنها وهي تصفق الباب خلفها بقوة، لم تكن غاضبة من حديث أختها لها، بل كانت خائفة عليها من تعلقها الزائد بمديرها، بوهمٍ جديد، سراب لا أمان له...
ذهبت إلى الصالة لتجد "أحمد" الصغير يُفرغ شنطته المدرسية من الكتب..اليوم هو أول يوم له في المدرسة الابتدائية، جلست بجانبه، تقلب كتبه، وهو يتابعها باهتمام..أخذت تتطلع كتاب اللغة العربية (الجزء الأول) أين عامر وأين أمل؟! وابتسمت بحزن وهي تتذكر شخصيات كتبهم الأساسية، اشتاقت لرؤية صورهم كما لو كانوا أشخاص أحياء تعرفهم وليسوا مجرد رسوم على الورق!!
- "مريم".
- هااا.
- لقد أعطتنا المعلمة هذه الورقة.
وتناولت منه الورقة وهو يسترسل:
- قالت أن علينا أن نجلب كل هذه الأشياء وإلا لن تُدخلنا الصف.
قرأتها، مطلوب دفاتر، أقلام، ألوان، سبورة صغيرة و......قائمة عريضة من الطلبات التي لا تكاد تنتهي..طوتها في جيب بنطالها وهي تسأله بمرح مفتعل:
- كيف هي المدرسة..هل أعجبتك؟!
هزّ رأسه بلا مبالاة وهو يُخرج آخر كتاب من شنطته:
- عادية.
عبست في وجهه:
- كيف عادية؟! ألم تتعرف على أصدقاء جدد؟
لم يُجب فوراً، نظر إليها من طرف عينيه، أها لا بد أن شيئاً حدث اليوم..هذه النظرة أعرفها..نظرة إجرامية لا يحدجني بها إلا ومشكلة تقبع خلفها..أعرفه جيداً ابن أمي..
- أحمد. نادته بجدية وهي تنظر لعينيه مباشرة.
- نعم. قالها بخوف، لا بد أنها اكتشفت جريمته!!
- أنا عرفت كل ما حدث اليوم، لقد اتصلت المعلمة وأخبرتني==طبعاً لم يحدث شيئ من هذا القبيل.
قفز من جلسته وهو يبتعد عنها:
- هو من بدأ..احلفُ لكِ با لكعبة الشريف..
- صه، كم مرة قلتُ لك ألا تحلف بالكعبة، لا يجوز الحلف إلا بإسم الله.
صمت ولم يعلق، عيناه بدأتا تلتمعان، كم هو سريع البكاء هذا الطفل...
- أخبرني ما حدث بالتفصيل.
- أعطاني قلمه "البيكمون" لأرسم به أمام المعلمة، وحين انتهت الحصة وخرجت المعلمة قال إنه يريده..تصوري!!
الشئ الحسن في "أحمد" أنه يعطيك خلاصة الموضوع دون إطالة في الحديث كما باقي الأطفال، ابتسمت وهي ترى عيناه تتسعان من التعجب، لكنها سرعان ما أخفتها وهي تعاود سؤاله بجدية:
- وماذا فعلت حينها؟
- لم أعطه إياه، فحاول سحبه مني فضربته بقوة..هكذا - وهو يلكم الهواء – فأخذ يبكي كالفتيات.
شهقت وهي تلطم على صدرها:
- ضربته!! لم فعلت ذلك؟
- أقولُ لكِ أنه حاول أن يأخذ قلمي "البيكمون".
- لكنه ليس قلمك، بل قلمه هو، وهو أعارك إياه ليس إلا.
هزّ رأسه بعناد ودون أن يعبأ بكلامها:
- بل قلمي، أعطاني إياه وأخذته، وما دمتُ أخذته فهو ملكي أنا..أنا لوحدي.
"يا إلهي..أي نزعة تملكية تسيطر على هذا الطفل، في السابق أصطاد دجاج الآخرين وقال أنها له، والآن أقرضوه قلماً فقال أنهُ له أيضاً!!!!"
- وأين القلم الآن؟
- عندي ولقد خبأته.
- اعطني إياه.
- لماذا؟ (سألها بخوف وتردد).
- أريدُ أن أراه.
أخرجه من حافظة موجودة بأسفل الحقيبة، قلبته بين أصابعها النحيلة وهو يرقبها بتوسل وذّل، كان قلماً من الرصاص لونه أصفر وينتهي بممحاة على شكل "البيكمون" فقط!! كم هم غريبون هؤلاء الأطفال، يتشاجرون على أشياء سخيفة ومضحكة حقاً، كل هذا من أجل "البيكمون"، مجرد ممحاة ستتحلل عندما تلامس خربشاتهم ولن يبقى من البيكمون إلا....ولا شئ!!!
- اسمع ستعيد القلم لصاحبه غداً سليماً أتفهم..
- ولكن هذا.. وشرع في البكاء دون أن يكمل، "من الفتاة الآن"!!!
اقتربت منه وهي تمسح بحنان على شعره الداكن السواد:
- سأشتري لك اليوم قلماً مثله من السوبر ماركت المجاور لبيتنا.
لم يعلق واستمر في بكائه.
- بل سأشتري لك بدل القلم عشرة، بيكمون وكونان ويوجي إذا أردت.
رفع رأسه وهو يبعد يده قليلاً عن وجهه، ينظر إليها من الفتحات التي تتخلل أصابعه، أردفت بخبث:
- يوجد أقلام باربي أيضاً إذا أردت سأشتريها لك أيضاً.
أبعد يده نهائياً عن وجهه وهو يصرخ برعب:
- كلا، كلا، باربي لا، ماذا سيقولون عني..فتاة؟!
ضحكت ملأ فمها وقد دمعت عيناها، نقطة ضعفه "باربي"، يكرهها، لا أدري ماذا فعلت به مع أنها جميلة هذه المسكينة!!
- اممممم، طيب بشرط أت تعيد هذا القلم لصاحبه غداً، عدني بذلك.
- أ..أعدك.
- أجل، أريدك دوماً هكذا فتىً طيباً، يسمع كلام الكبار.
سمعا صوت الباب يُغلق فاشرأبت أعناقهما للوالج إلى البيت، وصل الأب بسنواته الخمسين، وقد ندّ العرق من جبينه الأسمر، بات وجهه أكثر احمراراً في الأيام السابقة، صوّب حديثه نحوها فخرج بطيئاً ثقيلاً:
- سيارة من المتوقفة عند الباب؟
- سيارة "ليلى".
- ماذا؟
- أعني أنها سيارة العمل، أعطوها إياها لتعود متى انتهت مبكراً من عملها.
- اهاا، جيد!!!
"كلا، ليس جيداً على الإطلاق، لقد أصبحت ابنتك مهووسة بالسيارة وبصاحب السيارة، اسمعها كيف تصفه، كيف تتحدث عنه، كقديس، كمنقذ وكفارس أحلام!!! والأدهى أنه متزوج ولديه عائلة، ماذا سنلقى من عملها هذا؟؟؟؟"
- هل تناولتم الغذاء؟ (سألها الأب.(
- لا، كنا ننتظرك.
- اذن اسكبيه، سأبدل ملابسي وأعود.
نهضت من مكانها، تجر خطاها معها إلى المطبخ، شاردة الذهن، خائفة مما تخبئه لهم الأيام، أبوها تغير كثيراً، حالته الصحية تبدو متدهورة، و"محمد" ذلك الغائب الحاضر!! و"ليلى" في عالم آخر تعيشه مع الوهم الجديد، وأنا وأحمد ماذا سيكون مصيرنا؟
تناولوا الغذاء جميعهم هنا على الطاولة، الكل هنا واللا أحد!!! كلٌّ شارد في اللابعيد، الأكل لا طعم له، مذاقه مر كطعم الغربة، واليوم طويل..طويل لا نهاية له، كان "محمد" أول المنصرفين، تناول بضع لقيمات، شهيته للطعام قلت بشكل كبير، أصبح نحيفاً وعيناه غائرتان بشكل مخيف والسبب معروف لا شك فيه، ربما يودّ الآن اللحاق بجرعة متبقية من أحدهم!! لم يعلق أحد، قام أبي بعده، تلته ليلى هي أصلاً لم تكن معنا، تفكر بما ترتديه اليوم للعمل، اختفوا جميعهم بسرعة كالضباب..
- "مريووم" متى سنذهب إلى السوبر ماركت؟
- اليوم، بعد قليل سآخذ نقوداً من أبي.
===================
وقفت "أمل" أمام النافذة، وقد فتحت جزءاً صغيراً من الستارة، تراقب الغادي والبادي وقلبها يشتعل فرحاً، فبعد يومين ستراه، ستفتح الجامعة أبوابها، وسيكون هناك معها في نفس الصف كما تعودت دوماً، يلاحقها باستمرار دون يأس، رغم كونه في السنة الأخيرة بالجامعة، ومع ذلك تراه يحضر محاضراتها ليكون معها، ليجمعهما نفس الجو ونفس المكان..
أينما تلتفت تراه خلفها دائماً، في المحاضرات، في الكافتيريا، وقبل أن تنطلق من الجامعة لتعود إلى المنزل..
ومع ذلك لم يتجرأ ليعترف لها بحبه، لم ينطق ولم يتكلم، عيناه تقولان لها الكثير حين تلتقيان عفواً، ومع ذلك لم يقلها، تمنته أن يقولها، لن تصده حينها، ألا يعرف بأنها ستكون أكثر فتيات العالم سعادة، كم هم حمقى هؤلاء الرجال أحياناً!!!
ولكنها، لن تيأس، ستنتظر، وإن طال الانتظار، لأنها متأكدة أن يوماً ما - وسيكون يوماً قريباً- سيقولها ليملأ حياتها بلوناً جديداً، ليغير خلفيتها الباهتة لأنه ببساطة نصفها الآخر، نصفها الذي لا غنى لها عنه...
ولكن متى يأتي هذا اليوم...متى؟!!
=============
دقت الباب بهدوء وتوجس، خائفة أن يكون الموجود في هذه الغرفة نائماً.
- من؟
أتاها الصوت باهتاً لكأنه من مكانٍ بعيد!!
- هذه أنا "مريم".
- ادخلي.
كان مستلقياً على فراشه، واضعاً إحدى ذراعيه أسفل رأسه.
- بابا، أريدُ نقوداً سأشتري لأحمد أغراضاً لمدرسته.
- كم تريدين؟
20- دينار تكفي، أو 30 دينار، سأشتري لنفسي دفتر للمحاضرات وبعض الأغراض للجامعة.
ابتسم الأب ابتسامةً باهتة:
30- دينار؟! تقصدين 300 درهم، أتحسبين أننا لا زلنا في البحرين!!
…………….. -
أخرج محفظته، وهو ينقدها الدراهم...
- أتريدين أن أوصلك؟
- لا داعي لذلك، سنذهب أنا وأحمد للسوبرماركت المجاور.
خرجت من غرفته، كان أحمد واقفاً بانتظارها، ارتدت عباءتها على عجل ودلفا معاً، تمسك بيده الصغيرة بين يديها، يمتعان أعينهم بالطريق، "أحمد" لم يترك شيئاً رآه إلا وعلق و"مريم" تضحك بأريحية، كان الجو بديعاً، صافياً، يوحي بالدفء والألفة، يا ليته يبقى هكذا على الدوام..
وصلا بسرعة، ذهبت "مريم" ناحية الأدوات المدرسية، بينما انساق "أحمد" لركن الألعاب وقد شدته أشكالها الخلابة. حملت سلة صغيرة وهي تقلب في الأغراض، اختارت لنفسها دفتر محاضرات على شكل "جينز" وأقلام ملونة جافة فبعد يومين يبدأ شوط التدوين الذي لا ينتهي!!
أخرجت ورقة "أحمد" من حقيبتها، وهي تبحث له بتأمل وتأنٍ، خصوصاً أقلام البيكمون!!!
امتلأت السلة سريعاً، دون أن تنتبه للظل الذي كان يُلاحقها..
في هذه اللحظة، كان "خالد" وصديقه "فيصل" في السيارة وهي تقترب من السوبرماركت.
- فيصل توقف هنا سأشتري علبة سجائر.
أوقف هذا الأخير مكابح سيارته و "خالد" يترجل منها:
"-فيصل" ألن تأتي معي؟
- كلا، سأسمع المسجل إلى أن تعود.
وهناك انتبهت "مريم" لذلك الظل اللجوج، لكنها ادعت اللامبالاة، ربما كانت تتوهم.
- سأحمل عنكِ هذه السلة تبدو ثقيلة بالنسبة لفتاة ناعمة مثلك.
رفعت حاجبيها مصدومة من جرأته، جمدت في مكانها للحظات لكنها انتبهت لنفسها وتحركت وهو يسير خلفها.
"أفف، ماذا يريدُ هذا، يلاحقني أينما ذهبت، أين ذهبت يا "أحمد" وتركتني؟!
وأحمد لاهٍ في ركن الألعاب، وقد استهوته سيارة جيب كبيرة تتحرك بالتحكم عن بعد، أخذ يفكر بإقتنائها، لكنّ مريم سترفض بالطبع، ستكرر حديثها المعتاد وهي تلوي شفتيها: النقود التي معي لا تكفي!!!
لمحه "خالد" وهو يهم بإشعال سجارة، كان واقفاً بحيرة ينظر لعلبة السيارة، أثاره شكله..مهلاً أين رأيتُ هذا الطفل، واقترب منه وهو يدخل السجارة إلى العلبة من جديد، عرفه "أحمد" بسرعة هذا واضح من تغير تعابير وجهه.
- أنت "أحمد" صح؟!
……………..-
لم يرد عليه، لازال يتفحص علبة اللعبة.
- أأعجبتك هذه السيارة؟
حينها نظر إليه ولكن دون أن يجب أيضاً.
- إذا أعجبتك سأشتريها لك.
وانفرجت أساريره بسرعة وعيناه تلمعان وكأنه نسيَ ما فعله هذا الخالد به وبأخته...لكنه طفل والأطفال لا يلبثوا أن ينسوا، وفجأة انقلب بريق الابتسامة وتلاشت من فمه الصغير.
- لكن أختي "مريم" لن ترضى، ستغضب مني.
"مريم، تلك المشاكسة، أهيَ هنا فعلاً؟؟"
- لا عليك، تعال لأدفع لك.
سحبه معه ليدفع وهو يلتفت حوله لعله يراها سهواً، "ولم أريد أن أراها، ربما لأنها أثرت بي ذلك اليوم حين بكت في مركز الشرطة أم....."
"- أحمد" أتيت مع من؟
- مع أختي. (ردّ بأدب، فلقد اشترى لهُ سيارة قبل كل شئ)!!
- فقط؟
- أجل.
- أين هي؟
- لماذا؟ (نظر له الصغير بحدة).
- آآآ، سأوصلك إليها، ربما تغضب حين ترى هذه العلبة بيدك، سأوضح لها الأمر كي تصدقك.
وكأنه اقتنع بهذا التبرير، فهزّ رأسه بإيجاب و"خالد" يسير معه دون أن يدري سبباً لذلك، يودُّ أن يرى وجهها، يسمع صوتها، لعلها تتشاجر معه وتصرخ وتفضحه في هذا المكان أمام الناس، لا يستبعد منها ذلك!! لحظة يبدو أنها حولت شجارها لطرفٍ آخر، من ذا الذي تكلمه؟؟
كان الرجل يتقرب منها وهي تعودُ للوراء حتى لم يبقى بينها وبين الجدار إلا فُرجة..شعر بالغضب يُعمي عينيه...اجيبوا من هذا الرجل؟
- أنتِ قليل الأدب فعلاً، ارجوك انصرف عني.
- وإن لم أنصرف..
- سأنادي حارس الأمن ليأخذك.
- يجب أن تشكريني لأني أغازل عرجاء مثلك.
"عرجاء... أي رصاصةٍ عمياء أطلقت في قلبي!!"
- هيه أنت ماذا تريد، اترك الفتاة وشأنها. (صاح في وجهه بغضب.(
والتفتت إلى الصوت الغاضب، نظرت إليه بذهول، طعنة في القلب وأخرى في العين!!!
- وما دخلك أنت؟
أجاب الرجل ببرودٍ سمجٍ مثله، أحياناً تُلاقي أشخاصاً طفيليون كالبرغوثِ يُثير قرفك ويسبب لك الأذى.
اقترب منه، حتى كادا أن يتصادما بأجسادهما، فاقهُ خالد طولاً، وقميصه لم يخفي جسمه الرياضي.
- بل لي دخل، وإن لم تغرب الآن ألقيتك أرضاً.
قالها بتهديد وقد اتقدت عيناه بتصميم. خاف الرجل من منظره المتوفز، لكنهُ تظاهر بعدم الاكتراث بتهديده، كم من المحرج أن يفر خوفاً أمام فتاة!! يا لهُ من امتهانٍ للرجولة.
- كنتُ سأتركها على أية حال فالعرجاوات لا يثرن اهتمامي كثيراً.
"عرجاء..لقد قالها مرةً أخرى، صدقني قلبي صغير لا يحتمل كل هذه الطعنات!!"
أمسكهُ من ياقته بقوة، وهو يلوي ذراعه بشدة بيده الأخرى دون أن يترك له مجالاً للتنفس:
- هيا، اذهب واعتذر لها فوراً.
- ح..حسناً، اطلقني فقط.
- ليس بعد أن تعتذر. (صرخ فيه وهو يصرُّ على أسنانه).
- أنا آسف..آسف.. (كان يلهث وهو يكاد أن يختنق.(
أشاحت بوجهها بعيداً عنه وقد طفرت دموعٌ من عينيها، ترك ياقة الرجل فهرول مسرعاً..
وبقوا ثلاثتهم صامتين مدة، مسحت عينيها بأناملها بسرعة لكنهُ لمحها، ومع ذلك لم يرحمها، خاطبها بقسوة من فوق كتفيه:
- إذا كنتِ لا تريدين أن يغازلك أحد فلم لا تغطين وجهك بدلاً من كشفه للجميع.
أخذت نفساً بطيئاً قبل أن ترّد، تريد أن يخرج صوتها طبيعياً دون رجفة ودون ألم، شدت على قبضة يديها وتكلمت ببرود، بأقصى ما استطاعت به أن تثلج أحبالها الصوتية..
- هذا ليس من شأنك ثمّ أنا لم أطلب من حضرتك أن تتكرم وتتدخل، لا أدري لم تُحذف عليّ المصائب من كل جانب؟!!
- بدلاً من أن تشكريني تقولين عني أني مصيبة؟!
- لم يحدث شئ لأشكرك عليه.
- حقاً، كنتِ ستخرين صريعة من الخوف منذُ قليل أم كنتُ أتخيل.
- أنا لا أخاف أبداً. ... قالتها بشموخ زائف، متكسر كأمواج البحر يدعوك حيناً ويغدر بك حيناً آخر، لا أمان له..
- أجل، هذا واضح.
أخذ يرمقها بهدوء وقد تلاشت نظرة الغضب التي كانت تكسو عينيه منذ قليل، لكأنه كان يذكرها بتلك اللحظات التي جمعتهما معاً حين كانت خائفة تبكي، بدءاً من المزرعة، إلى مركز الشرطة وهنا في هذا السوبر ماركت.. احتارت من نظرته، أربكتها، شعرت بالضياع لا تدري، لم يلقي بها القدر دائماً في طريقه وفي أسخف المواقف؟!!!
التفتت حولها بحيرة، لتخفي وجهها ربما، أم لتهرب من نظراته، لم تجد أمامها إلا "أحمد"، كان حاملاً علبة كبيرة مغلفة بجلادة خضراء لامعة لم يخفها الكيس.
- ما هذا؟
- إنها لعبة. (ردّ ببراءة).
- أعلم، من أين لك؟ كيف دفعت ثمنها؟! (سألته بعصبية وتوتر).
"- خالد" اشتراها لي.
والتفتت إلى حيثُ أشار، كان لا يزال يرقبها، وقد ارتسمت ابتسامة عذبة جديدة على شفتيه. شعرت بالغيظ أكثر، لم تجد شيئاً تُفرغ غضبها فيه سوى أٌذني "أحمد" المسكين، شدتها بقوة وهو يصيح:
- أخ، أخ، اتركيني، إنها تؤلمني.
- كم مرة قلتُ لك ألا تأخذ شيئاً من الغرباء، كم مرة قلتُ لك ذلك..هاا؟؟!
- أعتقد أنّ بعد كلِّ ما حدث بيننا لم نعد غرباء..أو بإمكاني أن أقول أصبحنا في مستوى التعارف!!!
"ماذا يقول هذا المعتوه؟! ماذا حدث بيننا وأي تعارُف؟!!!".
- كم أنت وقح.
- وكم تبدين جميلة وأنتِ غاضبة والشرار يقدح من عينيك الناعستين.
وكأن الغضب الذي كان يعتريها نحوه قد تبخر كله وتخدرت حواسها، أخفضت رأسها وقد عمّ الاحمرار جميع وجهها، وضعت يداً خجولة على خدها، وهي تسبل عينيها، وبقيت واقفة لكأنها تنتظر مديحاً آخر منه.
وسمعت ضحكته قوية تهزُّ المكان، رفعت رأسها الذي أصبح لونه قانياً كالدم، كان يضحك بمرح دون أن يفوته شكلها الخجول، "أصلاً عيناي ليستا بناعستين، ربما كان أحولاً!!!!"
حركت رأسها ناحية "أحمد" أمسكت ذراعه وهي تخاطبه بهمس:
- تعال لندفع ونخرج منه.
- انتظري. (ناداها "خالد("
وقفت في مكانها دون أن تلتفت نحوه، لازالت مطرقة:
- انتبهي لنفسك. (قالها بحنان وحرارة فاجئته هو نفسه).
!!!!!!!!!!!-
ودت أن تلتفت، ترى وجهه، تنظر لعينيه، أكان يسخرُ منها؟؟ لكنها أكملت طريقها دون أن ترد أو تتأكد من ظنها، سارت وتركته خلفها يفكر فيها وطيفها يبتعد عنه شيئاً فشيئاً..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:07 pm

(10)
- أكل هذا الوقت من أجل علبة سجائر؟!
.............-
- اسألك يا صاح!!!!
- هااا، أتكلمني؟!
- بل أكلم الهندية الواقفة هناك!!
والتفت "خالد" إلى حيثما أشار "فيصل"، لكنه لم يرى أحداً. ضرب "فيصل" يده كفاً بكف وهو يحوقل ويستغفر.
- لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
- ماذا جرى لعقلك، أجننت؟!!
- أنا من جننت أم أنت!!! أخاطبك منذُ مدة وأنت كان يا مكان..
تنهد "خالد" دون أن يجيب، أشعل سجارته وهو ينفث دخانها متلذذاً.
- لا، أنت لستَ طبيعياً بالمرة، مالذي غيرك فجأة هكذا؟!
- هي... قالها بصوتٍ حالم.
- من؟!
- فتاة...
- حسبتها ولداً..أتصدق؟!
- كفاك سخرية وأنت تبدو كالأحمق بشاربك الذي يشبه شارب "غواار"!!
تلمس شاربه بخيلاء وهو يضحك:
- أنت تغار من شاربي ليس إلا اعترف، ثم إن له جاذبية مغناطيسية للنساء، أتصدق إحداهن ألفت به قصيدة، لقد دونتها لي بنت ال.... في ورقة لكنني أضعتها!!!
- ههههههههه.
- لا تتهرب من الموضوع، وحدثني عن..... هيَ!!
- ماذا تريدني أن أقول؟ (سأل بجدية واهتمام.(
- أهي جميلة؟
- اممم، لا بأس بها.
- من النوع الذي نعرفه، أم من الصنف الممنوع؟
- من الصنف الآخر، فالنوع الأول ممل لا يستهويني وأنت تعرف ذلك.
- أتحبها؟
- كلا. (رد بسرعة.(
- وماذا تريدُ منها؟
- لاشئ.
- لاشئ؟! (تساءل "فيصل" باستغراب).
- هي صغيرة و محترمة إذا كان عقلك المريض يفكر بشئٍ ما!!
ضحك "فيصل" ملء فمه وهو يمسح عيناه بيد ويده الأخرى ممسكة بالمقود بعناية:
- وما دمت تدافع عنها كملاك برئ هكذا لمَ لا تتزوجها، ما دامت تعجبك؟!
صمت "خالد"، تابع سحب الدخان وهي تتلاشى في الهواء، تندمج معه في اتحاد أبدي لا لون له!!!
- لا تناسبني، إنها من أسرة متواضعة، والدها سائق تاكسي..أتصدق؟! وسمعت أنّ لها أخ مدمن مخدرات، باختصار عائلة سيئة السمعة!!!
- أهاا، سرعان ما حركت أجهزة مخابراتك.
ابتسم "خالد" ابتسامةً باهتة، ألقى بعقب السجائر من النافذة وأشعل له أخرى.
- امممم، اذن سنستبعد احتمال الزواج منها لأنهُ أصلاً لا يناسبك!! وسنذهب للاحتمال الآخر، خذها مني نصيحة الفقر يُبيح لك كل الطرق، يفتح كل الأبواب الممنوعة حتى أشدها صعوبة..صدقني!!!
تذكر وجهها البريء، تكسوه حمرة الخجل، تبدو كطفلة صغيرة تحتاج من يحميها، ويربت على كتفيها بحنان، دموعها دائماً جاهزة عند الطلب دون إنذار!!! كلا، إنها ليست مثلهم، صغيرة ولكن يصعب خداعها، " ربما أنت من لا تودُّ خداعها!! إذن ماذا تريدُ منها؟؟"

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:09 pm

[center]- أرجوك، ابعد أفكارك المريضة عني، وخذها مني نصيحة ياااا "أبو العريف" تعالج في الطب النفسي لأن تفكيرك منحرفٌ مثلك.
عاد "فيصل" ليضحك من جديد وبقوة، ابتسم "خالد" وسرعان ما انتقلت عدوى الضحك إليه، "يا لهذا "الفيصل" مهما شتمته فإنه يضحك، بل حياته كلها ضحك ومرح، سئ الأخلاق لكنهُ صافِ القلب ولا يحملُ الضغينةَ أبداً ولهذا أحبه".
زاد "فيصل" من سرعة السيارة، و"خالد" يشعل له اللفافة الثالثة وقد شرد في حديث صديقه..
- "معقول...اممممم"!!!!!!
[/center]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:11 pm

(11)
جلست "مريم" على سريرها، تدون اسمها على الدفتر بخطٍ دقيق، تأملت حروفه المنقوشة وهي ساهمة تفكر فيه، في كلماته التي ترن في أذنيها..."انتبهي لنفسك!!!!"
التفتت إلى "ليلى"، كانت جالسة على الحاسوب......
- ليلى.
- نعم. (ردت دون أن تبعد ناظريها عن الشاشة).
- أتعتقدين أني...أني جميلة؟ (سألت بترددٍ خجول).
التفتت إليها باستغراب وقد تفاجأت بالسؤال:
- أنتِ أختي وبالطبع أراكِ جميلة.
- أقصد لو لم تكوني أختي ماذا سيكون رأيكِ بي؟!
- ولم كل هذه الأسئلة؟
- أرجوكِ أجيبي بصدق.
- جميلة و....
- ولكن عرجاء....(أكملت فجأة بحزن).
- ماذا تقولين؟!
- هذه هي الحقيقة. (أكدت وهي ترسم خطوطاً في دفترها الجديد دون شعور.(
قامت "ليلى" من كرسيها، وجلست بالقرب من "مريم":
- كنتُ قد نسيته، لكنّ أحدهم ذكرني به اليوم وهو مشكور.
- عمّا تتحدثين؟!
- عن عرجي...من يريدُ عرجاء..من يريد!!! (رددت بألم وهي تضغط بقوة على القلم الرصاص).
- أنتِ جميلة وصغيرة ومتعلمة، من الأعمى الذي لا يريدك.
- أقول لكِ أنا عرجاء، ألا تفهمين، يريدونها كاملة كالدمية لا نقص فيها، حين تمشي لا تقدّم رجلاً عن الأخرى، وحين تركض لاتتعثر كعجوزِ شمطاء.
- لا يوجد شئ كامل في الدنيا إلا الله.
………………………… -
نهضت "ليلى" من على فراش أختها وأخذت تجول في الغرفة الضيقة وهي تشبك يديدها، سكتت لدقائق، أخذت نفساً عميقاً ثم أردفت:
- خذيني مثالاً، هذا أنا أمامكِ جميلة كما تقولين ومتعلمة وأمشي بشكلٍ سليم كما تتمنين، ولازلتُ كالبيت الواقف، يقفون أمامه ليتفرجوا لكنّ أحدهم لم يتجرأ أن يدخل إليه.
التفتت إليها، إلى الحزن الذي يرزء في عينيها التي أحاطت بهما خطوط دقيقة ابتدأت في الظهور، كلٌّ لديه هم، ومن رأى هموم غيره هان عليه همّه:
- سيأتي ذلك اليوم الذي سنفرحُ فيه بكِ أنا متأكدة.
- متى سيأتي، عندما أدخل في الثلاثين من عمري؟! أرجوكِ كوني واقعية، كما هم يريدونها تمشي سليمة يريدونها كذلك صغيرة..صغيرة في عمر الزهور.....
وانكسر القلم "لكنّ الزهور عمرها قصير"...
صمتت "مريم" ولم تعلق على حديث أختها، كانت الأخيرة قد خرجت مسرعةً ربما إلى الحمام!!
أغلقت "مريم" دفترها واستلقت على فراشها وهي تفكر فيما حدث لها اليوم، كانت عبارة "انتبهي لنفسك" تطنُّ في أذنيها بوقعٍ غريب ومتكرر، غطت نفسها جيداً فالجو بارد، بارد والشتاء قاسٍ لا يرحم، ومع هذا أحست بحرارة تدبُّ في قلبها شيئاً فشيئاً لتمنحها الدفىء في ليالٍ تبدو طويلة وقاسية جداً..
"ولكن هل تنام؟؟!!"
========
- إلى متى؟؟
- لقد وعدني "خالد" بأنهُ سيخبر والدي بذلك..
- دائماً خالد خالد خالد..سأتزوجك أنت أم خالد؟!
- لكنكِ تعرفين الظروف و....
وضعت يديها على أذنيها وهي تتأفف:
- أعرف، أعرف أرجوك لا تكرر قصتك المعهودة، لقد مللتها و....مللتك.
نظر لها بإنكسار وقد غشا الحزنُ عينيه:
- مللتِ مني!!
تطلعت إليه ببرود وقسوة:
- مللتُ من جبنك..من خوفك الدائم من أخيك..أنا أريدُ أن أتزوج برجل أتفهم، برجل وليس بنعامة!!!!
صُعق بمكانه، وقد تلاشت كلُّ الألوانِ من وجهه:
- "فرح" ماذا تقولين؟!
- أقولُ الحقيقة.. (وهي ترمقهُ بإشمئزاز.(
- أتقولين هذا بعد كل ما فعلتهُ من أجلك، بعد كل العذاب والهوان الذي تحملته لتكوني لي.
- هيه، لاتبالغ، أنا لستُ لك وربما أعيد النظر في هذا الأمر من جديد.
- أنتِ تمزحين، أليس كذلك؟!! (قالها بترجي وهو يكاد يركع)..
- بل جادة كل الجد.... وابتعدت عنه، طيفها يبتعد عنه، وعودها لايكادُ يبين.
- "فرح" أرجوكِ لا تقولي هكذا، إنتِ تقتليني..أرجوكِ عودي..لا تقوليها، عودي إلي، أتوسل إليكِ.
لكنها كانت قد غادرت إلى البعيد.
- فرررررررررررررررررح...
فزّ من فراشه وقد تصبب العرق على جبينه..
- "كان حلماً، بل كابوساً..أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم"... أسند رأسه بيديه وقد خانته عيناه، دمعت!!! كانت دموع قهر، غيظ، دموع ذليلة....
- أأبكي أنا!!!! تعجب من نفسه....رجل وأبكي؟!
غادر فراشه، وبالرغم من قراره الإقلاع عن التدخين إلا أنهُ أشعل واحدة بعصبية، أغلق المدفأة ، كان الحر يطوقه، يكادُ يخنقه، فتح نافذة غرفته، تسلل الهواء البارد إلى جوفه، هدأت ضربات قلبه المجنونة وجفّ عرق جبينه، تمتم:
- لابد أن أفعل شيئاً، لابد أن أفعل، يكفي كل هذا الذل...يكفي......
==========
- مريم، مريم استيقظي.
- هااا، ماذا تريدين؟
- نسيتي، الجامعة ستبدأ اليوم.
- الجامعة!! (فزت من فراشها مذعورة) كم الساعة الآن؟!
ابتسمت لها "ليلى" بإطمئنان:
- لا تخافي الساعة الآن السادسة صباحاً.
زفرت "مريم"، محاضرتها الأولى تبدأ الساعة الثامنة صباحاً..ذهبت إلى الحمام لتغتسل، ارتدت ملابسها، ثم سحبت عباءتها وحجابها من الشماعة على عجل..نظرت إلى وجهها في المرآة، عيناها حمراوتان من قلة النوم..
ذهبت إلى الصالة ولحقتها "ليلى" ليتناولا وجبة الإفطار، سكبت لنفسها كوب شاي، كم تعشق كوب الشاي بالحليب في الصباح، لذتها الوحيدة أن تشربه مع والدتها المرحومة بدون إزعاج، دون وجود طرف ثالث، هي فقط وأمها وأكواب الشاي التي تدفأهم، لحظات كانت تشعرها بالأمان والسعادة..الأمان كلمة تبدو غريبة بعض الشئ؟!!!
- ليلى، أين والدي؟
- لقد خرج ليوصل "أحمد" لمدرسته.
- خرج؟!كيف؟! ومن سيأخذني للجامعة اليوم؟!
نظرت لها ليلى بإمتعاض:
- اذهبي في الباص.
- أنا لا أعلم في أيّ محطة يقف، ومتى..لا أدري، أنا في الحقيقة خائفة..
تطلعت لها باهتمام:
- لمَ أنتِ خائفة؟
هزت رأسها بضيق:
- لاأدري، من كل شئ، من الجامعة، من الفتيات، يُخيل لي أنّ الإماراتيات مغرورات وأنا لا أعرف أحداً هنا. "السمووحة منكن"
- ماذا ستفعلين بغرورهن!! لا تهتمي، ركزي بدراستك وبنفسك فقط.
- طيب، سأتصل لوالدي، لا أريد أن أتأخر منذ اليوم الأول.
- لو كانت سيارة (البي أم) مُلكي لأوصلتكِ فيها، لكنها أمانة..(وابتسمت بشرود.(
وفي تلك اللحظة، أطلّ أبوها بوجهه المتعب:
- السلام عليكم.
- وعليكم السلام والرحمة.
- هاا، أنتِ جاهزة؟
- أجل، جاهزة.
لم تتكلم معه طوال الطريق إلا ببضع كلمات، كانت تحترم والدها، علاقتهما تبدو رسمية بعض الشئ، علاقة بين أب وابنته لم تتجاوز المثل السائد:
"إذا كبر ابنك خاويه".
أخذت تتطلع إلى الشوارع من خلال النافذة، تُراقب الناس والسيارات والمحلات، وصلوا إلى الجامعة، وعاودها الخوف من جديد.
- ها قد وصلنا، بالتوفيق إن شاء الله.
- مع السلامة.
وصلت، كانت الجامعة مليئة بالفتيات، كلهن يتنافسن في الأناقة والجمال، ملابس ومكياج مبالغ فيه بشكلٍ كبير..
أحست بنفسها ضائعة في هذا المكان، تائهة كورقة مجعدة ترتجف كورقة الجدول الذي تحمله بيدها، تطلعت للوجوه لعلها ترى وجهاً مألوفاً، وجهاً يدخل الطمأنينة في قلبها، يُشعرها بأنها قريبة من وطنها، لكن لا أحد، عادت لتتطلع إلى جدولها من جديد، رموزه غامضة كحياتها ربما..
وفي الجانب الآخر كانت "أمل" واقفة مع صديقاتها يثرثرن وهنّ سعيدات بلقائهن المتجدد كل عام، كانت تشعر بأنها اليوم فراشة لا تقدر أن تكبح جماح جناحيها لتطير، وجهها يفضح أشواقها يكسوه رونقاً ولمعاناً، فاليوم ستراه كما تعودت منذُ عامين، ستتعطل بينهما لغة الكلام، ويبقى حديث العيون السيد بينهما، أبلغ من كل الكلمات التي قيلت بين المحبين..
التفتت إلى حيثُ تقف "مريم" أخذت تفتشُ في ذهنها عن هذا الوجه...
- أين رأيتهُ يا ربي؟!
ولكأنّ "مريم" حست بتلك العيون المحدقة بها، فرفعت عينيها لا شعورياً نحو الهدف، ابتسمت "أمل" في وجهها بإرتباك ثم لفّت وجهها، لكنها عادت لتنظر إليها مرة أخرى وقد اتسعت عيناها دهشة:
- أجل، عرفتها، إنها هي..
استأذنت من صديقاتها وهي تقترب من "مريم" بخطى خجلة، "مريم" عرفتها منذُ الوهلة الأولى، المسافة التي تفصل بينهما خطوتان.
- أتذكريني؟
هزت رأسها بالإيجاب "وكيف أنساكِ ألستِ أخته!!!"
- لم يكن موقفاً لطيفاً للتعارف، أليس كذلك؟
- لا عليكِ، لقد نسيته..."أفعلاً نسيته؟؟".
- امم، لابد أنكِ سنة أولى صح؟
- وكيف عرفتي؟
"- المكتوب مبين من عنوانه."
ضحكت "مريم" بأريحية..
- اعطني جدولك.
تناولته وهي تقرأ بصوتٍ مرتفعٍ بعض الشئ:
- أنتِ تخصص علم نفس، مثلي ممتاز، اممم ستكونين معي في 3 محاضرات ياللصدف.
- أخيراً وجدتُ من أعرفه هنا.
- تعالي، سأعرفكِ على صديقاتي.
سحبتها معها وهي تشعر بالفرح، وسرعان ما اندمجت معهم في الحديث وسقط غطاء الخجل كما لو كانت تحادث صديقاتها بالثانوية.
=============
وقفت أمامه وهي تمسك الأوراق، تراقب الشعيرات البيضاء التي بزغت من شعره غصباً رغم عنايته بصبغه على الدوام، كان أملساً لامعاً جاءتها رغبة غريبة لتتلمسه!!! لتتحس نعومته..يا إلهي كم يلمع بطريقة غريبة، يا لزوجته المحظوظة..
رفع رأسه نحوها فجأة، ارتبكت، شعرت بالذنب لأنه ضبطها تراقبه، هذا ليس من حقها، ابتسم بإتساع فغضت بصرها وهي تحترق:
- لا لا أنا لا أقدر أن أتحمل.
رفعت رأسها بتردد وهي تسأله باستغراب:
- م..ما..ماذا حدث؟
- أنا لا أقدر أن أتحمل ألاّ أرى هاتين العينين الجميلتين، أهي عدسات ملونة؟
ذابت "ليلى" في مكانها كذُبالة شموع المساء، قدامها لاتكاد توقفانها، الأوراق ترتجف أم هي من ترتجف؟!
- اجلسي لم أنتِ واقفة؟
جلست دون شعور، لم يكن بإستطاعتها أن تقف أكثر، وطئت رأسها وهو يتفحصها بتمعن، كانت مرتدية شالاً أحمر عكس لونه على بشرتها البيضاء الصافية، وبالرغم من لبسها للعباءة إلا أنها بدت أنيقة جداً وناعمة جداً.
- ليلى..
- آآآ...نعم. "لم أشعر بأنّ اسمي عذب قبل هذا اليوم".
- هل أنتِ مرتبطة؟
رفعت وجهها غير مستوعبة سؤاله، لكنها نكسته مرةً أخرى، هي لا تقوى أن تنظر له مباشرة، كم يخطف أنفاسها!!!
- أعرف أنه موضوع خاص، لكن إجابتك مهمة بالنسبة لي، كثيراً...
الكلمات اختنقت في حنجرتها، تأبى الخروج من هذا الحلق الأحمق، هزت رأسها بالنفي. تنهد بارتياح وقد التمعت عيناه:
- أتقبلين الزواج مني؟
هذه المرة كادت تقع من على الكرسي، كادت أن تصرخ بنعم لكنها أمسكت نفسها.. اهدأي أيتها المجنونة، ماذا سيقول عنكِ، "متلهفة على الزواج منه!!".
- تعلمين أنني متزوج ولديّ أطفال، لكنني لستُ سعيداً في حياتي الخاصة، صدقيني منذُ رأيتك عرفت أنكِ الفتاة التي انتظرها قلبي لتملكه، لتتربع في حناياه..
لحظات وتتحول "ليلى" إلى سائل، إلى هشيم، هي رومانسية حالمة بطبعها، فما بالك وهي تجد من يقول لها مثل الكلام الذي تقرأه في رواياتها..
- أريدكِ هنا في مكتبي وهنا - وأشار إلى صدره- في سويداء قلبي، أريدكِ معي في كل مكان..
غاص قلبها وبات لون وجهها يفوق لون شالها في إحمراره، لم تنبس ببنت شفة، لازالت مطرقة.
- ما قولك ياااا حبيبتي!!!
تنفست بعمق، بأقصى ما استطاعت أن تسحبه رئتيها من هذا الهواء الحار المحبوس في المكتب.
- يمكنك أن تزور والدي.
- لماذا؟
تطلعت إليه بغباء:
- ألم تقل أنك تريد الزواج مني!!
- بلى، ولكن ليس الزواج الذي تظنين..
- ماذا تقصد؟
- أقصد أن نتزوج....عرفياً.
- ماذا؟؟
صاحت في وجهه وهي تقوم من على الكرسي وقد تحطمت كل الأحلام الوردية التي كانت تتراقص أمام عينيها منذُ قليل.
- أرجوكِ اهدأي.
- ماذا تعتقدني، لقيطة، مشردة، ليس لدي أهل، ينقصني شئ كي أتزوج عرفياً؟؟!
- ليس الموضوع هكذا، والله يعلم أني لا أقصد أن أقلل منكِ شيئاً فأنتِ غالية بالنسبة لي، لكنها الظروف، الظروف الحالية هي من تحتم عليّ ذلك.
- أيّ ظروفٍ هذه؟
- زوجتي مثلاً..أطفالي..لا بد أن أهيأهم لزواجي الثاني.
- إذن ننتظر إلى أن تتحسن ظروفك.
- إلى متى...أقصد أنا لا أقوى على الانتظار وأنتِ أمام عيني، وأعتقد أنكِ تبادليني نفس المشاعر صح؟
لم ترد عليه، كان فكرها حائراً ما بين عقلها وقلبها، قلبها الذي يحنُّ إليه وعقلها الذي يستصرخ "لا تتهوري!"
اقترب منها وهي شاردة الذهن، وبصوتٍ ملئ بالحب، بالعتاب، بالتعاطف قال:
- لا أريدك أن تتعجلي في ردك، ولكن كل ما أرجوه ألا تهدمي حلمي، أن أكون معكِ طوال العمر هو جلُّ ما أتمنى.
خرجت وهي ترتجف من الحنق، ألقت الأوراق التي بيدها على مكتبها، وضعت يديها أسفل ذقنها، لم لا تنتهي الأحلام نهاية سعيدة؟!!
============
خرجت "مريم" و"سلمى" معاً من المحاضرة الأخيرة، تباطئت "أمل" خلفهما متعمدة وهي تلتفت كل حين للواقف خلفها، يرمقها بتلك النظرات الولهة التي اعتادت عليها وباتت تحن لها، آه متى تنطق وتقولها، عامان وأنا انتظر؟! الممر الآن شبه خال، لم لا تغتنم هذه الفرصة قبل أن تضيع، انطقها ولن تندم..
"لكنه لم ينطق، كم يغيظني". عادت مريم وسلمى إلى الممر مرةً أخرى يستعجلانها في المشي، لحقتهما وهي تشتم حظها النحس في سرها.
- أتعرفان أي تقف محطة الباصات.
- لم؟! سألت "سلمى" باهتمام.
- كي أركبه وأطير للمنزل طبعاً، فأنا أكاد أموت من الجوع.
- ولم ترجعين في الباص، سأوصلكِ معي إلى البيت. قالت "أمل".
- كلا، لا أريد أن أثقل عليكِ.
- بيتكم لا يبعد عن بيتنا إلا بخطوات، ستعودين معي دون نقاش، على الأقل أجد من أحدثه في طريق العودة بدلاً من الجلوس بصمت مع السائق.
- طيب سأتركم الآن، والدي ينتظرني، مع السلامة.
- مع السلامة. (ردت كلتا الفتاتين.(
سارتا معاً وهما تتحدثان في أمور شتى..البنات..المحاضرة..الدكتور.
- اعطني رقم جوالك.
تبادلتا أرقام الهواتف لتبدآ صفحة جديدة من الصداقة بينهما، لمحت "أمل" سيارتهم المرسيدس السوداء، حتى زجاج نافذة السيارة لونه أسود داكن.
جرّت "مريم" معها، كانت الأخيرة تمشي بإستحياء، لا تحب أن تكون ثقيلة على أحد. ورغم دكونة الزجاج إلا أنّ "خالد" ميزها، عقد حاجبيه بتعجب لكونها مع أخته.."غريبة" هكذا ردد في نفسه، لكنهُ ما لبث أن ابتسم، "يا للصدف!" وأتته فكرة..
دفعت"أمل" مريم لتدخل أولاً خلف السائق، وحين دارت لتذهب للجانب الآخر أقفل "خالد" أبواب سيارته آلياً دون أن تلتفت "مريم" لما يجري، كانت تتصفح خطط مقرراتها الدراسية بإهتمام، أمسكت "أمل" إكرة الباب المقابل لأمل لكنه لم يُفتح، انتبهت "مريم" لحركتها فرفعت رأسها.
- "رفيق" افتح ال...
وإذا بها تلتقي بعيناه من خلال مرآة السيارة، صُدمت، بل صعقت مشدوهة، نظر لها مباشرة وبقوة وقد انحرفت زاوية فمه في شبه ابتسامة..
- حلوة كلمة "رفيق"!!!
تعجبت "أمل" من السكون المخيم على الموجودين بالداخل، لا توجد أية حركة، دقت على زجاج المقعد المجاور للسائق، فتح النافذة.
- هيا ادخلي بسرعة. (شهقت في مكانها.(
- من؟ خالد؟!
ضغط على الزر فدخلت وسيل من الأسئلة يسبقها فخالد ليس من عادته أن يأخذها من الجامعة.
- زوجة السائق أنجبت صبياً وقد أعطيته اليوم إجازة.
"يا للمشاعر المرهفة" رددت "مريم" في نفسها بتهكم. أكمل:
- لذا لا تعتقدي أني جئتُ من أجل سواد عينيك، مع أنّ هناك عيون تستحق الإتيان من أجلها!!!
لم تعبأ أمل بفظاظته فقد اعتادت عليها، سقطت عيناهُ عليها من جديد وهو يغمز لها..طأطأت رأسها، أكان يقصدها، يا للوقاحة يا لقلة الأدب، شعرت بالغيظ
- أ...أمل.
- نعم. (التفتت لها بجذعها.(
- قولي له أن يفتح الباب. (نظر إليها وقد تغضن جبينه بعبوس).
- لماذا؟
"أتسألين بعد كل ما حدث؟!"
- أنا لا أركب مع...مع هذه ال..الأشكال.
فغرت "أمل" فاهها وهي تنظر لأخيها الذي أسودّ وجهه فجأة، دار لها ففزعت في مكانها، وضعت يدها على فمها لكأنها انتبهت لخطورة كلماتها ، لكنه لم يمهلها شدّ يدها بقوة حتى كاد أن يسحق معصمها.
- هذه الأشكال؟؟ ها ماذا تقصدين، ألا يعجبكِ شكلي؟!
وأكمل وهو يسحبها للأمام ويقرب وجهها حتى كادت أرنبة أنفه تلامس وجهها.
- انظري لي، ألا ترين جيداً، ربما هكذا أفضل..
وقعت أنفاسه الغاضبة عليها، لامست بشرتها، كانت قريبة منه بشكلٍ فظيع، لم تقوى على النظر إليه، كانت ترتجف وهي تحاول التملص من قبضة يده وقلبها يغوص إلى القاع، إلى آخر نقطة...
- آآه، اب..ابتعد عني..يدي...
- خالد دع الفتاة، هذا عيب، لقد آلمتها.
تعبت "أمل" من الصياح لكن دون جدوى.
لازال يشدها، يحاول أن يجبر عينيها على النظر إليه لكن هيهات، كان وجهها متضرجاً بحمرة قانية، أبسبب الألم أو الخجل لا يدري...
قربه يحرقها، يحيلها إلى هشيم، وأنفاسه المتلاحقة تكادُ تصيبها بالجنون، مشاعر متضاربة في صدرها لا تستطيع أن تفسرها، غضب..كره..ألم أم ماذا؟؟
طفرت الدموعُ من عينيها، بللت أهدابها، برقت كنجوم سماوية رغم أنهم في عزّ الظهيرة!! رأى تلك النجوم، فأرخى يده لكنه لم يترك معصمها بعد، سحبت يدها بسرعة منه وصدرها يعلو ويهبط، ضمتها إليها، وهي تتلمسها بيدها الأخرى، عيناها لا زالتا مسبلتان وتلك النجوم تُنذر بالسقوط...
عاد إلى موضعه دون أن يعلق أو....يعتذر، خيم الصمت على الجميع لكأنّ على رؤوسهم الطير، لم يُسمع إلا صوت أنفاسهم المتلاحقة!!
تطلعت إلى معصمها، إلى آثار أصابعه المطبوعة، لقد سحقها، كانت ترتجف، شدتها بقوة لتوقف ارتجافها دون جدوى، حواسها لا تطيعها، تأبى أن تمنحها بعض السكون والأمان....
- افتحوا الباب، أريد أن أعود للبيت. (صاحت بصوتٍ متباكٍ).
تطلعت لها أمل بتعاطف، خجلة من تصرف أخيها:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:11 pm

- وكيف ستذهبين؟
- في الباص.
- ربما تحركت الباصات الآن.
- سأتصل بأبي ليأخذني، لا أريد أن أبقى هنا..لا أريد.
حينها غطت "مريم" وجهها وأجهشت بالبكاء وهي تشهق. التفتت أمل لأخيها لكن لا حياة لمن تنادي، كان وجهه جامداً كالصخر لا تعبير فيه.
لم تسمع رداً رفعت رأسها وهي تمسح الدموع المبللة وجهها بتصميم "لن أكون ضعيفة، لن أكون دمية يحركها هذا الأحمق المغرور"، كان يراقبها وقد كست وجهه مسحة تأثر لكنه مسحها فوراً، صاحت بغضب وبصوتٍ متقطع:
- أنت.. أنت... افتح الباب وإلا وإلا....
- وإلا ماذا؟! (سألها ببرود.(
- وإلا سأصرخ وأفضحك بين الناس كلهم...
هزّ "خالد" رأسه باستهزاء، وهو يحرك مفتاح السيارة، ويضغط على الكابح بقوة، حتى ارتجت السيارة بهم بقوة، سرعته كانت جنونية، خافت "مريم" بل كاد قلبها يقع، لكنها توقفت عن البكاء وابتدأ هرمون "الأدرينالين" بالعمل.
- خالد، هدأ من سرعتك...
- قولي لصديقتك أن تطبق لسانها أولاً، وتحتفظ بتهديداتها لنفسها.
لم ترد "مريم"، كانت تمسح تلك الدموع الحادرة على وجهها بصمت.."أيّ رجلٍ هذا؟ أهو من البشر حقاً؟! كم أهانها..كم ذلها واليوم مدّ يدهُ عليها وهي صامتة لا تقوى على الدفاع عن نفسها، لم خُلقنا ضعفاء!!".
ضغطت أمل على زر الراديو لعلها تهدأ الجو المتوتر داخل السيارة، كان الموضوع الإذاعي يدور حول حقوق المرأة وكيف حافظ الإسلام على كرامتها ومنحها المكانة الرفيعة دون كل الأديان.
"هه، الدين وصى ولكن المسلمون في خبر كان، لو كان الدين يُطبق لما وصلنا إلى ما نحنُ فيه الآن، لما تدهورت القيم والأخلاقيات، ولما تأخرنا وتقدم غيرنا..خذوا هذا المتعجرف عديم الأخلاق مثالاً، ها هو يصفّر وكأن شيئاً لم يكن..من أيّ طينةٍ خُلق؟!!"
دار كل هذا في رأسها، دموعها جفت، كم وعدت نفسها ألا تبكي، لكنها تعود دوماً للبكاء..أغلق الإذاعة..يبدو أنّ الموضوع لم يعجبه..عدو المرأة هذا..
بدأت معدتها في التقلب، وأخذت تصدرُ أصواتاً واضحة من شدة الجوع، شعرت بالحرج لا بد أنّ الكل سمع!! ياللفضيحة...أرجوكِ اصمتي قليلاً إلى أن أعود..شعرت بتلك العيون تراقبها، لابد أنه يبتسم، أو ربما يضحك عليها، يا رب متى أصل..أشعر بالإختناق.
اقتربوا من مطعم "جسميز" ازدردت ريقها، فهي لم تشرب إلا كوب شاي!!! انتهى دور "الأدرينالين" وابتدأ انزيم "الأمايليز". تلوت معدتها وأصدرت أصواتاً أقوى.
- "أمل" أتريدين شيئاً من هارديز، سأشتري لي وجبة غذاء.
اختفت كل الألوان من وجهها، نست الألم..الكره..الغضب الذي يعتمل في صدرها نحوه منذ قليل..شعور الحرج هو من طغى عليها تلك اللحظة، لا بد أنه تأكد من جوعها.
- اشتري لي مثلك.
- اسأليها إذا تريدُ شيئاً. (خاطب أخته.(
- لا أريدُ شيئاً...منك.
غادر السيارة وهو يصفع الباب خلفه بقوة أخافتها." طلعة بلا..ردة".
- لا أدري ماذا أقول لكِ..أعتذر عن كل ما بدر منه.
رددت أمل بخجل دون أن تقوى على النظر في وجه صاحبتها.
- لا عليكِ..أنتِ لا ذنب لكِ.
مرت 5 دقائق، عاد وهو يحمل 3 أكياس، أعطى كيسان لأمل وأشار إلى الخلف. ترددت "إنها لا شك سترفض".
- "مريم" خذي.
أدارت "مريم" وجهها للجهة الأخرى وهي تزمُّ شفتيها. أعادت الكيس إلى حجرها.
- قولي لها أنهُ ليس من أجلها بل لكي ترحمنا من تلك الأصوات المزعجة.
"- خالد"!!.
- لقد رأيتُ في حياتي أصنافاً كثيرة من البشر لكنني لم أرى أوقح منك أبداً.
- اها، "أمل" قولي لها اذا لم تصمت سأعيد ما حدث منذُ قليل... إذا كان يعجبها ذلك.
"- خالد" أنت من بدأت أولاً.
- صه، اسكتي أنتِ، لديها لسان تدافعُ به عن نفسها.
عضت على شفتيها بغيظ حتى كادت تدميها "يُعجبني ذلك؟!!! يا إلهي أمدني بالصبر". إنهُ يحاول أن يستفزها، تعرف ذلك، اصبر، اصبر عليّ قليلاً وأنتِ يا مريم تمالكي نفسك، لم يبقى على العودة إلا القليل.
وصلوا، أشارت "أمل" إلى منزلهم، أوقف مكابح سيارته فجأة، فارتطمت "مريم" بكرسيه...شتمتهُ في سره بكل الألفاظ التي سمعتها منذُ ولادتها...لقد تعمد ذلك.
أطلق زر الباب، فتحته وهي تجر نفسها والغيظ يطحنها، يفتتها إلى قطع صغيرة. اسندت قدميها المرتجفتين على الأرض، لم تتحرك، اقتربت من نافذته، طرقتها بعصبية، فتحها وهو يبتسم بوقاحة:
- نعم آنسة، أنسيتِ شيئاً، تريدين كيس الطعام، لا تخجلي قوليها.
"هل اقتربت يوماً من الذروة؟!!!"
- أنت رجل حقيييييييييييييييير. وضيييييييييييييييييييع. تاااااااااااااااااااااااااااااافه.
حرك يده ليفتح باب السيارة لكنها لم تنتظر، ركضت مسرعة إلى البيت حتى كادت أن تتعثر، أغلقت الباب خلفها بالمزلاج وهي تستند عليه ورأسها يطن..اصاخت السمع لم يلحق بها ذلك المعتوه، ما دامت في بيتها فهي في أمان منه...أمان؟!! كلمة لا أفتأ أن أذكرها هذه الأيام....
أما "خالد" فقد انفجر ضاحكاً من شكلها المذعور، فقد ركضت كالمجنونة وكأن وحشاً يلاحقها، أدار مقود سيارته وعاد مع أخته العابسة وكلما تذكرها ضحك حتى أدمعت عيناه وهدأ!!!!!!!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:12 pm

(12)
عادت "ليلى" والأفكار تعصف بذهنها، أحست بصداع يخترق خلايا دماغها، يلطم البقية الباقية من تحملها، أتجرأ على القبول، أتوافق أن تكون زوجة بالسر، بورقة تربطها برجل، دون شهود، دون إشهار دون أن يعلم والدها، هكذا في السر كلصة، كسارقة، كمن ترتكب الحرام..
أتقوى على هذه المجازفة الخطيرة، أتتزوج هكذا، ليس بالأمر الهين، إنه ورطة، كيف، ماذا أفعل؟!!!
وإذا رفضت عرضه، ستخسر والفرص تمر مر السحاب، و"أبو محمد" فرصة لن تتعوض، ستخسره وربما تخسر عملها معه..
"اسمعي يا ليلى من أنتِ لترفضين، أنتِ في الثامنة والعشرين، بعد عامين تقريباً ستلحقين بركب العانسات، وهم وصموكِ به منذُ زمن، ستذبلين وسيضيع شبابك وأجمل سنوات عمرك هباءاً كالرماد، كلمة "ماما" لن تسمعيها أبداً، وحين تستيقظين صباحاً ستلتفتين حولكِ لترين لا أحد، وحيدة أنتِ في هذا المكان، آآه الوحدة، الوحدة كريهة طعمها مر كالعلقم، يا ربِّ ساعديني، ألهمني الصواب، ماذا أفعل، لمَ وضعتني بين خيارين أحلاهما مر، بين نارين، نار فراقك ونار أهلي ومجتمعي الذي لن يرحمني..."
غسلت وجهها بالماء، لن تذهب عصراً إلى العمل، ستعقد هدنة مع نفسها، ستفكر..
"لا بد أن أرتاح، أن أفكر بعقلانية فرؤيته تشوشني، تُطيّر ما تبقى من عقلي إن كان موجوداً أصلاً!!!!!"
استلقت على فراشها، أغمضت عينيها المرهقتين، استرجعت تلك القصة التي حاكتها في خيالها منذُّ أن رأته، هي و "أبو محمد" معاً في منزل يظللهم...
ألسنا جميعنا نحلم، ونحيك خطوط أحلامنا بخيوط ناعمة ذهبية، لكنها لا تلبث أن تهتز و تتقطع تلك الخيوط، تتهدل كخيوط العنكبوت...
تقلبت يميناً وشمالاً على وسادتها، تلك الوسادة الخالية وصورته لا تفارقها:
"- أتقبلين الزواج مني".
============
دعكت "مريم" يدها ربما للمرة الخمسين!!!! كانت جالسة بجوار "أحمد" تساعده في حل الواجبات المدرسية.
"- مريوووم" 5-2 تساوي كم؟
…………………………-
- مريووووووووووووووم.
- ماذا..ماذا بك؟ لم تصرخ؟
- أسألك 5-2 كم؟
- ألا تعرف كم؟ انظر- فتحت قبضة يدها باتساع وهي ترفعها لأعلى- هذه خمسة أصابع ابعد أصبعان هكذا، كم أصبع بقى في نظرك؟
- امممممم، قلتُ لكِ ثلاثة..أرأيتِ كم أنا ذكي!!!
تأفف العبقري الصغير وهو يدون الإجابة في الكتاب، ابتسمت "مريم" ابتسامة مشوشة وعادت لشرودها.
ترك "أحمد" كتابه و أخرج من حقيبته لعبة خشبية مصنوعة يدوياً على شكل فزاعة، أخذ يعبث بها بنعومة، يمسح على عينيها ويمسدُّ شعرها المجعد، قربها من حجره وهو يهمس برقة:
- "ماما...ماما".
انتبهت "مريم" من شرودها وهي تنظر له بإستغراب ممزوج بالألم، هذه هي المرة الأولى منذُ عامين يذكر فيها والدتهم..كان صغيراً جداً في الرابعة من عمره، بكى معهم عندما رآهم يبكون، سأل عن أمه، قالوا له ذهبت، إلى أين؟ أجابهُ والده: إلى السماء، لكن السماء بعيدة كيف وصلت إليها؟ سكت الأب ولم يجب وانصرف خارجاً من البيت.
سحبته هي حينها، تحبه كثيراً، أكثر من أي شخصٍ آخر، وهو متعلق بها كتوأم روحها، مسحت دموعها وهي تحضنه، وأقسمت حينها أن تكون له أمه وأبوه وأخته وكل شئ، أقسمت أن تنسيه يتمه، أن تربيه كابنها رغم ضحالة خبرتها وصغر سنها...
ازاحت ذكرياتها، تنظر إليه، إلى بقية الغالية، ظنتهُ نسيها، ولكن من ينسى أمه؟!! شعرت بغصة، بحرقة، بألم، هي لن تستطيع أن تحل محلها أبداً مهما حاولت، سيظل ذلك الجزء السحري الغامض الذي يحيط بالأمهات مفقوداً، حنان الأم من يعوضه، وذلك الحجر الدافئ أين سيجد مثله؟!
لا زال ممسكاً بتلك اللعبة بحنان، يهمس لها بشجون، اقتربت منه وهي تربت على ظهره بخفة، التفت لها، في عينيه نظرة انكسار كسرت نفسها، حولتها إلى هشيم!!!
- أ..أح...حمد...
- نعم.
………-
- ماذا تريدين؟
"أرجوك اخفض هذه العينين!!"
- أريدُ أن... لكنها لم تكمل، ضمتهُ بقوة، بأقصى قوتها، وهو لم يحتج، كان صامتاً وجسده الصغير يرسل اهتزازات عنيفة لكأنه ينتظر تلك اللحظة التي يُفرغ فيها شحناته المكبوتة، تركت دموعه تبلل ثيابها، شهقاته تُسمع بوضوح الآن، تبكي معه على أمها وعليه وعلى الأيام...
=============
- "راشد" ما بالك، أراكِ متغيراً هذه الأيام.
هزّ "راشد" كتفيه بلا مبالاة وهو يشعل له سيجارة.
- وعدتَ للتدخين أيضاً!!!!!!!
انتظر حتى العشرة كما طريقة "خالد" في العد أو الذبح النفسي كما يسميها، ثم قال:
- أعتقد أن هذا الأمر يخصني ولا...يعنيك.
فتح "خالد" عينيه غير مصدقٍ ما يسمعه، لا بدَّ أن أخاهُ جن.
"- رشوووود" احترم نفسك، كيف تخاطبني هكذا.
- اسمي "راشد" وليس "رشود" ياااااا خلّوووود!!!!
وانصرف دون أن يترك لخالد مجالاً للتعليق، قفل عائداً إلى الصالة وهو يمرر يده على شعره بإستياء، كانت أخته جالسة تشاهد التلفاز، سحب جهاز التحكم عن بعد من يدها بجفاف، ضغط على الأزرار دون أن يستقر على قناة، كانت تنظر له بغيظ مكتوم، ليس بمقدورها أن تحتج، أن تعترض أو تعاتبه وإلا وجدت أصابعه الثقيلة مطبوعة على خدها دون إنذار!!
"لمَ هو ليس لطيفاً كراشد، لم يحادثها يوماً كشقيقة، إما يصرخ في وجهها ويأتمر عليها كما لو كانت طفلة، أو ينقطع بينهما الإرسال كما في هذه اللحظة، وجودها أو عدم وجودها واحد بالنسبة له..."
ألقى الجهاز بعيداً عنها، في آخر كرسي قابع في الصالة وسار!!! وهي تكاد تنفجر، نهضت وتناولته وعادت لتتابع المسلسل الذي كانت تشاهده، لكنها لم ترى إلا أغنية الحلقة!! شدت خصلة من شعرها كانت قد نفرت غصباً بقوة وانصرفت هي الأخرى إلى غرفتها...
وفي مكتبه الخاص، أمسك "خالد" أوراق العمل، يقلبها دون اهتمام، ركنها على الطاولة من جديد، كان يشعر بالضيق، بالملل، أو الحيرة ربما...
"هي، أجل هي من سببت لي هذه الحالة، قبل أن أراها كنتُ بخير بل بألف خير، وجاءت لتفسد راحتي، صيرتني تلك المشاكسة أكثر عصبية، وأكثر نفوراً من البيت، هذا أنا أكشف نفسي أمام "أمل" بتُّ أوصلها إلى الجامعة بحجة أو أخرى لعلي أراها ولكن هيهات، بعد الموقف الأخير أشك أن تركب معي أصلاً..لم هيَ بالذات، لم يسبق أن انجذبت لفتاة مثلما انجذبتُ لها، الفتيات هنّ من يحمن حولي، كم هنَّ طماعات، يردن في الرجل كل شئ، المال والشباب والجمال، بإختصار كل شئ، ولا يملأ عينهن إلا التراب!!!
لنعد لها، مريم..اممم اسم جميل لكن لا يناسبها!!! لو كان بيدي لسميتها "ثقيلة الدم" "الخوّافة" أو "سارقة الدجاج" ههههههه، لقد بتُّ أحب أكل الدجاج الآن، آكلهُ بنهم، يذكرني بمواقف لطيفة فيفتح شهيتي للمزيد، أففففف، ماذا أقول أنا، لا ينقصني إلا هي لأفكر فيها، من هي ومن أنا؟!! أنا "خالد" ابنُ هذا كله، وهي "مريم" مجرد "مريم" بدون لقب، بدون مستوى، دون حتى جنسية إماراتية، لحظة لكنها تحمل ألقاباً أخرى اختاروا منها ما تشاؤون...
1. بنت الفقر!
2. أبوها سائق تاكسي!!
3. أخوها مدمن مخدرات!!!
"عظيم، يا لها من ألقاب جميلة ومشرفة!! ترفعُ الرأس فعلاً، ينقصها لقب رابع فالأرقام الفردية لا تعجبني، أتشاءم منها، ربما يلحقها لقب جديد لا ندري!!"
نقر بأصابعه على الطاولة، بطريقته المعتادة في العد لكنه لم يكمل، نهض من كرسيه وصبرهُ ينفذ شيئاً فشيئاً، أقنعه ما قاله لكنّ طيفها اللعين يتراءى دائماً أمام عينيه، صورتها لا تفارق ذهنه، تتكرر بصورة غير طبيعية، ماذا أريدُ منها، أأتزوجها، كلا كلا هذا هو الجنون بعينه، أو بعد كل ما عددته لكم من ألقاب أقترنُ بها وتصبح هي زوجتي، زوجة السيد "خالد ال ...... " وأحملُ معي ألقابها معها!!!!!!!!
سؤال يطرح نفسه من جديد: ماذا تريد بالضبط يا خالد؟؟؟
طافت أجوبة كثيرة في خاطره، قلّبها في ذهنه لكنهُ لم يستسغها، أحسًّها لا تناسبها، لا تُناسب براءتها، لا تناسبها و......كفى!!!
رنّ هاتفه الجوال، تطلع إلى الشاشة، كان "فيصل" هو المتصل، هزّ رأسه لعله يبعد أفكاره المشوشة، ضغط على الزر.
- ألو..
- أهلاً.
- أين أنت؟
- أنا في البيت.
- في البيت!! تعال، جميع الشباب في الشقة، لديّ مفاجأة بل قل مفاجآآت.
ابتسم "خالد" في خاطره، إنه يعرف أي المفاجآت يعنيها صديقه المنحرف.
- اسمع ليس لديّ وقت لتفاهاتك.
صاح "فيصل" بانفعال حتى اضطرّ "خالد" لإبعاد الهاتف مسافة لا بأس بها عن أذنيه.
- أتسميها تفاااهات، أبدل أن تشكرني لأني لا أنساك أبداً في الأفراح والمسرات!!!!! ولكنني من يستحقُّ ذلك لأنني أكلم تافه مثلك.
- فيصل، أغضبت، آنا آسف، أنتِ تعرفني لا أحبُّ مثل هذه الأمور.
………….-
- فيصل؟؟؟؟
………….-
- هيه فيصل، "شارب غوار" لم لا ترد؟
- شارب غوار في عينك. (ابتسم "فيصل("
- هههههههههه.
- ماذا قلت الآن، أ ستأتي؟!
- اممممم، لا أعتقد ولكنني سأزورك اليوم بلا شك و...سلم لي على مفاجآآآتك.
- يووووووووصل...(قالها ضاحكاً. (
- مع السلامة.
- مع السلامة.
وضع يده أسفل ذقنه، شارد الذهن، مبلبل الخواطر، عاد لأوراقه، أمسك قلمه وهو يحاول القراءة بتمعن، لا بد أن يشغل نفسه عنها، لا بد أن يمحوها ما أمكن، هذا إن استطاع!!!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:13 pm

(13)
الساعة الآن السابعة صباحاً بتوقيت الإمارات، استيقظت "مريم" بنشاط ، لقت أختها نائمة على غير العادة!! غريبة، هي تستيقظ منذُ بزوغ الفجر لتصقل نفسها للعمل!!! وكأنها عارضة أزياء وليست سكرتيرة ثم توقظها للجامعة بعد أن يتبقى على تحرك الباصات نصف ساعة!!!
أزاحت لحافها الوثير، واقتربت منها، هزتها بلطف أولاً ثم زادت من ضغطها:
- ليلى.
- أف، ماذا تريدين.
- أأنتِ مستيقظة؟!!
- أجل.
- غريبة، ألن تذهبي إلى عملك اليوم؟
- سأذهب. (قالتها بفتور.(
لا زالت دافنةً وجهها في الوسادة دون أن تتحرك، توقفت "مريم" في مكانها، ترقب أختها بخوف:
- أأنتِ بخير، هل أنتِ مريضة؟
نزعت وجهها من وسادتها بإنهاك، تحسّ بالتعب، بالتعب النفسي، رفعت رأسها ببطء:
- أنا... بخير ليس بي شئ..
فزعت "مريم" من منظر تلك العينين الحمراوين، خيوط دقيقة متشابكة عبثت ببياضهما، أخفت رونقهما، أين ذلك البريق...لقد أنطفىء..
تجاهلت تلك النظرة المصدومة المرتسمة على محيا أختها، وسارت إلى الحمام، نظرت لوجهها في المرآة، لم تنم البارحة، قضته في التفكير والتفكير والبكاء..
لقد اتخذت قرارها ولن ترجع فيه، تعلم إنها الخاسرة الأولى والأخيرة، لكنهُ عين الصواب كما تقول أمها، آآآآه أمي، لو كنتِ معي لكنتِ أرشدتني، لما وقعتُ في دوامة الحيرة
، لكنتِ عرفتي ما بي، كنتِ ستنقذيني وتساعديني على الخروج من هذه المشكلة....
من يفهمني هنا؟ لا أحد، الكلُّ لاهٍ، أبي في عمله الذي لا ينتهي أبداً، و"مريم" وجامعتها، أكادُ أجزم أن "محمد" أكثرنا سعادة وأقلنا هماً!!!
ارتدت ملابسها، لازالت حتى تلك اللحظة تهتم بإناقتها، رغم يأسها، رغم حزنها، رغم القرار الذي اتخذته في ليلةٍ غاب فيها القمر، أتراها صائبة..مقتنعة بما ستقوله، ألن تندم يوماً!!!
"الفرصة تمر مرّ السحاب..أيها السحاب مع السلامة، ألقي التحية على النجوم إن تلاقيتما يوماً!!!".
شغلت السيارة، سيارته وذهبت لتواجهه وتخبره بقراراها..
=============
- أي من الفئات الخاصة سنختار؟ سألت "أمل".
- أرى أن فئة صعوبات التعلم أفضلها والمراجع متوفرة بكثرة في المكتبة. ردت "سلمى".
- كلا كلا، لقد تشبعنا من هذا الموضوع، ثم إنّ البرنامج العلاجي لذوي صعوبات التعلم صعب جداً، لا بد من إعداد خطة فردية لكل نوع من هذه الصعوبات..متى سننتهي حينها؟!! استنكرت "مريم".
- إذن؟
- اممممم، إما نختار مشكلات سلوكية وانفعالية أو فئة الموهوبين والمتفوقين عقلياً. اقترحت "مريم".
- نختار المشكلات السلوكية والإنفعالية فالموهوبون والمتفوقون بعيدون عنّا تماماً..ردت "سلمى".
صاحت "أمل" بإنفعال:
- تحدثي عن نفسكِ يا ماما، لقد طبقت اختبار "ريفن" للذكاء ونتج أن نسبة ذكائي هي....اممم لن أقول أخافُ أن تحسدوني.
عبست كلتا الفتاتين في وجهها، ضحكت من منظرهما المغتاظ ولكنها أردفت بتجاهل:
- طيب، حللنا مشكلة الموضوع، تبقّى مكان اللقاء لإنجاز المشروع.
- في بيتنا طبعاً. تكلمت "سلمى".
- لالالا، منزلكم بعيد، ثمّ أنا و"مريم" في نفس المنطقة ونفس الشارع، أي أنتِ من يتعين عليكِ القدوم لإحدانا.
- هذا ظلم.
- بل العدل، نحنُ اثنتان وأنتِ واحدة. مدت "أمل" لسانها، فلكزتها الأخيرة في خاصرتها.
- أأأخ.
- حتى تتعلمي الأدب.
- هيه، أنتن، الكل ينظر إلينا..ماذا سيقولون مجانين في الجامعة؟! صاحت "مريم".
دعكت "أمل" موضع اللكزة وهي تصرُّ على أسنانها:
- طيب سيكون الاجتماع في بيتنا.
أرادت "مريم" أن تعترض، لا تريد أن تذهب هناك، لكنها أحجمت، أين ستجلسهم؟ البيت من طابقٍ واحد، والمجلس احتله "محمد" بعد أن احترق أثاث غرفته عندما كان يدخن سيجارته وهو نائم!!! والصالة لا تكاد تخلى، هي مكان اجتماع العائلة، وحتى لو توفرت لهم غرفة فأي أسباب الضيافة تقدر أن توفرها لهما دون خجل أو تقصير..
سارت الفتيات كلٍ إلى بيتها على أمل أن يلتقين مساءاً للشروع في إنجاز المشروع..
==========
دقت باب المكتب بيدٍ مرتجفة، لقد ناداها منذُ مدة لكنها كانت تتباطئ..ماذا ستقول؟؟ الملف الذي بيدها ينتفض بل جسدها بأكمله ينتفض، يا ليتني لم آتي، ليتني لم أعمل أصلاً و لم آراه....
- ادخلي يا "ليلى".
جرّت قدميها بصعوبة بالغة، وبعينين لا ترين أعطتهُ الملف، لم ينظر إليه ووضعه على جانب كيفما كان.
- اجلسي، لم أنتِ واقفة؟
جلست دون شعور، طأطأت رأسها تُتابع حركة أصابع قدميها المُبردة بعناية!!
- هل فكرتِ بموضوعنا؟
"آه لقد أتت اللحظة الحاسمة".
رفعت رأسها إليه دون أن تحر جواباً، هي اطلقي لسانك، ألقي بما في جعبتك..أنا ومن بعدي الطوفان..أين سمعتُّها؟!!!
- هاا ماذا قلتِ يا عزيزتي..
"لو كنتُ عزيزةً عليك فعلاً لما وضعتني في هذا الموقف الصعب".
عبت هواءاً في صدرها، نظر لها بتوتر وبصبرٍ يكاد ينفد، يستعجلها بالكلام وعيناه مثبتتان على شفتيها تنتظران قرارها.
- أنا موافقة.
تنهد بإرتياح بصوتٍ مسموع، كان واثقاً بأنها ستقبل به لكن شكلها وهي والجة إلى المكتب لم يكن مطمئناً، أشعره بالخوف.
قام من مكتبه وجلس بالكرسي المقابل لها، وجهها ينضحُ بالعذاب، بالألم، لم قبلتِ يا "ليلى"؟!! صدقوني أنا لا أملك أن أرفض، سامحني يا أبي..سامحني..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:14 pm

- كم أنا سعيد جداً، بل محظوظ..صدقيني لن تندمي أبداً معي، سأجعلكِ تعيشين كالأميرات..
"أحقاً لن أندم؟! أتمنى ذلك".
- اسمعي اخرجي أنتِ أولاً وأنا سألحقك بعد قليل، قفي بالقرب من مطعم (.....) عند الشارع المقابل للشركة.
…………….-
- اتفقنا؟
هزت رأسها بالإيجاب دون أن تعلق، أنهضت نفسها وهو يبتسم لها بإطمئنان، ودعته على أمل أن يلتقيا بعد قليل..
لحقها وتزوجا، كان زواجاً سريعاً، بورقة.. مجرد ورقة لا أكثر أو أقل، دون أن يدري أحد لا أبوها ولا مريم ولا أحد!!!!
اصطحبها إلى شقة، كانت معظم الوقت ساهمة، شاردة، يخاطبها وهي تهز رأسها دون تركيز، توقفت عند باب الشقة بتردد، توقف متسائلاً، لاحظ ارتباكها فأمسك يدها، سحبتها منه بسرعة وهي تنظر لهُ شزراً، لكنها انتبهت لنفسها، إنه زوجك أيتها الغبية، أليست الورقة التي معك تشهدُ بذلك؟! لامت نفسها على تصرفاتها المراهِقة كما سمتها ودخلت معه وهي تشدًًّ حقيبتها!!
=============
- كلا كلا، أريدُ أن أذهب معك. صاح "أحمد"
- أنا لن أذهب إلى نزهة، لدي مشروع، واجب عليّ إنجازه.
- لا يهمني.
- كلنا فتيات، أتريد أن تجلس معنا، ماذا سيقولون عنك "أبو البنات!!".
صمت وهو يكاد أن ينفجر، احتقن وجهه وبدأت عيناه باللمعان، آلمها منظره لكنها أمسكت نفسها، لا تريدُ أن تعوده على تلبية كل طلباته.
- لا يوجد أحد معي هنا، سأبقى مع من؟! قالها بتباكٍ.
- أبي هنا.
- إنهُ نائم.
- نم معه أو اذهب وشاهد التلفاز، ثم إنًّ "ليلى" ستأتي بعد قليل وستلعب معك.
نظر لها بغيض وهو يعضّ أصبعه السبابة بقوة، أبعدتها عن فمه وهي تصرخ:
- لا تعد هذه الحركة مرة أخرى، أتفهم.
رفعها من جديد وعضها، وهو ينظر لها بعناد، حاولت أن تبعدها أو تضربه ربما لكنهُ فرّ من أمامها، تنهدت بيأس وهي تلم قبضة يدها وخرجت..
حملت كيسها معها، يحتوي على بعض المراجع والحلويات!!! الجو ربيعي اليوم رغم شتوية الفصل، تأملت النجوم في طريقها، تبدو كقلوب واهنة تنبضُ من بعيد، صدت للأرض ها هي تقترب من منزل صديقتها، مرت على المزرعة بسرعة، لا تريدُ أن تذكر شيئاً، ستنسى، أجل ستحاول أن تنسى....
دقت الجرس، لم تنتظر كثيراً إذ سرعان ما فتحت "أمل" لها الباب، كأنها متيقنة من هوية القادمة، ابتسمت لها وهي ترحب بها بحرارة، بدت جميلة في زيها المسائي، تبدو كوردة "محمدي".
دخلت بتردد، بتوجس، كأنها خائفة من شئٍ ما، خائفة من أن تراه!!!!
- هل حضرت "سلمى"؟
- لقد حضرت قبلك بنصف ساعة..لم تأخرتي هكذا يا آنسة "مريوووم"؟
- أخي "أحمد" هو من أخرني، كان يريد القدوم معي.
- ولم لم تجلبيه معكِ، كان سيسلينا؟!
- خفتُ أن تسحريه فلا ينفعنا بشئ.
ردت ضاحكة وضحكت "أمل" معها وهي تسحبها إلى الداخل.
- الله، لديكم أرجوحة، منذُ زمن لم أركب أرجوحة.
- أرجوحة؟! لقد كبرنا على ركوبها، هيه أين تذهبين؟!
- سأتأرجح عليها قليلاً.
- ماذا...ليس الآن، بعد أن ننتهي من المشروع تأرجحي كما تشائين، لقد تأخرنا.
دفعتها إلى "المجلس" والأخيرة تتذمر، ألقت "مريم" التحية على سلمى لكنها صاحت فيهما:
- أنتما، لِمَ لم تناما في الخارج أفضل ها؟! والدي اتصل وأخبرني بأنه سيأخذني بعد ساعتين ونحنُ لم نبتدأ بشئ.
- بسم الله الرحمن الرحيم، لاتخافي سننهي كل شئ في ساعة. ردت "مريم" بعبوس.
جلست الفتيات معاً وهنّ يناقشن الموضوع بجدية، تداعت أفكارهن بطلاقة، وفعلاً لم تمر ساعة إلا وقد وضعن الملامح الأساسية لبُنية المشروع.
تمددت "سلمى" و"أمل" بتعب وهن يزفرن، أما "مريم" فقد وقفت بنشاط.
- أين أنتِ ذاهبة؟ سألت "سلمى".
- تريد أن تتأرجح. ردت أمل بابتسام.
مدت "مريم" لسانها:
- أجل، سأترجح هل لديكِ مانع؟
ضحكت الفتاتان، سارت دون أن تبالِ بهما، خاصة أنها تأكدت بعدم وجود أحد في المنزل كما ذكرت "أمل" فالليلة ليلة خميس، من يريد الجلوس في المنزل؟!!
الشجيرات الخضراء تحيطُ بالحديقة بكثافة، توجهت للأرجوحة أسرها شكلها، كانت كبيرة، متسعة..شدت خيوطها تستوثق من قوة احتمالها، جلست، أرخت نفسها، دفعت بنفسها إلى الوراء، إلى أقصى حدٍّ تستطيع الوصول إليه وانطلقت بقوة إلى الأمام، أحست بنفسها خفيفة كريشة في مهب الصبا، ضحكت بإنتعاش، بفرحٍ طفولي، اليوم هي طفلة بجدلتين تتطايران في الهواء و"محمد" يدفعها دائماً بقوة، تكاد تلامس السحاب وتشعر بحرارة الشمس، تريد أن تصل إلى السماء...يا تُرى كم تبعد عنّا؟!!
"آآه، كانت أيام، أيام جميلة لن تعود، إنها مجرد ذكرى نستعيدها لنرطب بها جفاف واقعنا، واقع الحرمان، واقع كل شئ أو اللاشئ، واقع اللاواقع!!!! يا أيام عودي، عودي كما في السابق، عندما كنّا أحياء".
لم تسمع "مريم" صوت الباب الخارجي وهو يُفتح ولا إلى الظل الواقف خلفها الآن، يُراقبها بإهتمام وتأمل، لازالت تطير في الهواء وذيل خمارها يتطاير معها بحبور....
هو ميزها، رغم سمرة هذا المساء، بل يكاد يجزم أنهُ لو رآها بين آلاف النساء سيعرفها من عودها النحيل، انظروا لها كيف تتأرجح، ألم أقل لكم أنها طفلة!!!
- أتريدين أن أدفعك؟!
اهتزت من وقع الكلمات التي فاجئتها، دارت بوجهها ناحية مصدر الصوت، هو..دائماً هو، وضعت قدمها بسرعة لتوقف حركة الأرجوحة، لكن حركة القصور الذاتي كانت أقوى منها والرياح دوماً تجري بما لا تشتهي مريمُ!! اختلّ توازنها وسقطت..
لم تكن السقطة مؤلمة، كانت على التُراب، منهُ جئنا وإليه نعود..
- آسف أخفتك... هل تأذيتي؟ (سأل بخوف.(
لم ترد، لا زالت جالسة على الأرض. وصل محاذتها، ركع بجانبها، لكنها ابتعدت عنه وهي تحاول النهوض، ضغطت بمقعد الأرجوحة لتستند عليه لكنه خانها وارتفع لأعلى فوقعت من جديد، ارتسمت على شفتيه ابتسامة لم تغب عن عينيها، مسحت يديها عن التراب على جانبي عباءتها وهي تتحاشى النظر إليه، لم تنسى موقفهما الأخير، أتُراه نسى، ثم كيف يقول لها "أتريدين أن أدفعك" أين يظنُّ نفسه؟؟!
- هل أنتِ بخير؟ ) كرر سؤاله.(
لم تجبه وشرعت في التحرك إلى حيث صديقاتها، سار ناحيتها ووقف قبالتها مانعاً إياها من إكمال طريقها.
- لا أدري هذا الغرور والتكبر ما مصدره؟!
- لو سمحت ابتعد عن طريقي.
- لم لا تردين هاا؟
- أنا لا أردُّ على.... وأطبقت فمها بخوف وكأنها انتبهت لنفسها، لا تريد أن تكرر ما حدث، زلة واحدة تكفي!!!
- على هذه الأشكال..أكمليها..
نكست رأسها وهي تعضُّ على شفتيها، حين تراه لا تعرف أن تنطق جملتين بصواب، دائماً لسانها يزلقها في مشادات كلامية لا تعرف سببها.
نظرت له خلسة من زاوية عينيها وهي ترمش لتتأكد من تعابير وجهه، لم تنطلِ عليه هذه الحركة لكنها أعجبته.
"ليس غاضباً...هذا جيد".
- لو سمحت، إنهم ينتظروني.
- اممممم، سأدعك إذا قلتِ "سعيدة برؤيتك مرةً أخرى"!!!!!!!!!!!!!!. قالها بتشدق.
هذه المرة كادت أن تسقط على رأسها فوراً من هول ما تسمعه.
- قوليها..
- لن أقول شيئاً، من فضلك ابتعد. (صاحت.(
- لن تقولي، إذن لن أتحرك وأنا التزم بكلمتي دائماً.
نظرت حولها بإرتباك، ماذا يقول هذا المجنون؟!! "أمل" تعالي... يا ليتني لم آتي إلى هنا.
- "أمللللللللللللللللللللللللللللل".
- تهدديني بالصراخ، فلتأتِ "أمل" إن استطاعت أن تفعل شيئاً.
- أنت ماذا تريد؟ هاا..هل أنت معتوه؟! (غرست أصبعها في رأسها إشارةً إليه).
- أجل أنا كما قلتي والمعتوهون يفعلون أي شئ، مرفوع عنهم القلم!!! (وضم ذراعيه بتصميم).
إنها تعرفه جيداً، تعرف من هو "خالد"، لم يقصر في توضيح ذلك أبداً.
- أقول ماذا؟
- قولي "سعيدة برؤيتك مرةً أخرى"!!
- لكن هذا..هذا لا يجوز، ليس من... حقي. (قالتها بإستعطاف.(
- لم تعقدين المسألة، أنا أعطيكِ هذا الحق، ماذا سيضركِ إن نطقتها. "دعيني أتخيل ولو مرة أنكِ تبادلينني نفس الشعور..الشعور!!! ماذا تقول؟؟!"
"الأمر ليس بهذه البساطة، إنهُ أصعب مما تتصور، إنها ليست مجرد كلمات، بل هي أحاسيس، آه لو كنت تعرف، ولكن أنى لشخصٍ مثلك أن يفهم".
مرت بضع دقائق، خالتها دهراً، هي صامتة بيأس وهو ينتظر..شئ يشدها إلى عينيه كلما أبعدت وجهها أنجذبت إليهما من جديد..
- أنا...تعثرت حروفها بإرتباك.
- نعم. (نظر لها مباشرةً وهو يكاد يرى انعكاس صورته في عينيها!!(
أطرقت خجلاً وهي تكمل:
- س...عيدة.
- لماذا أنتِ سعيدة؟ "يا لهذا السؤال!!"
هزت رأسها وهي تضع يداً على خدها الذي تضرج حمرةً:
- أنا..أنا لا أقدر.
……………-
تنفست ببطء وعمق وهي تحاول أن تهدأ من انفعالاتها لكأنها تريد أن تفهمه شيئاً آخر، يختلف عمّا تنطقُ به قسمات وجهها:
- أنا لا أحب أن أنافق أو أخدع الآخرين..
انطفأت ابتسامته، تأملها لثوانٍ، لم تقلها، أصعبٌ أن نكذب على أنفسنا، لمَ لمَ لمَ، كان بإمكانكِ أن تغيري الكثير، كلمة واحدة كانت ستغير مجرى حياتي وربما حياتكِ للأبد، لا تخدع نفسك يا "خالد"، هي لا تحبُّ الخداع، ماذا تُريد منها أن تقول: منذُ أن رأتك وهي لا تنام لأن طيفك اللعين لا يفارق مقلتيها!!!! اخرس واحتفظ بالبقية من كرامتك..
ابتعد عنها بصمت، دون حركة، دون كلمةٍ زائدة، أما تراهُ الآن هو الحزنُ مرتسمٌ على وجهه الأسمر؟!! سارت دون أن يتسنى لها أن تحلل تعابيره أكثر، شعرت بغصة، برغبة في العودة، لتصرخ بقوة:
" أيها المغرور لو تعرف كم أنا سعيدة..سعيدة جداً برؤيتك رغم كل شئ!!!!".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:15 pm

(14)
عادت "ليلى" في الثامنة مساءاً، وقت انتهاء دوام عملها في الشركة!!! دخلت بإنكسار، تحسُّ بنفسها ليست هي، شئٌُ بداخلها انكسر، رأت والدها مستلقياً في الصالة يشاهد التلفاز وبجانبه "أحمد"، التفت إليها وناداها:
- ليلى..
توقفت، لا بد أنهم عرفوا، علموا بأمري، وجهي يفضحني، كلا كلا، تزوجتُ تواً من أخبرهم؟؟! تزوجت!!! أرجوكِ اصمتي..
أشار لها بأن تقترب، مشت بتردد، حين تفعل شيئاً خاطئاً تشعر بأن الكل يعرفه، كلهم ينظرون لك لكي يرجموك!!!
- خذي.
أعطاها علبة بيضاء مُغلفة بعناية.
- ما هذا؟!
- اليوم عيد ميلادك أنسيتي؟!
اليوم عيد ميلادي أم يوم زواجي؟! لقد نسيت....نظرت لوالدها بحب وألم، لم تنسني يوماً وها أنا ذا أخدعك، سامحني يا أبي سامحني..
قلبت العلبة بيديها وهي تشعر بالغثيان، لا تستطيع أن تقف أمام والدها الآن بعد كل ما حدث، تشعر بالقذارة!!
غمغمت له شاكرةً وألمٌ جديد يعتصرُ قلبها، ركبت الدرج تنظر للعلبة بشرود، بحرقة، بدمعة، لم تسمع توسلات "أحمد" الحارة لكي تفتح العلبة أمامه ويرى ما بها، كل ما تراهُ الآن سراب، مجرد سراب، كل ما في الحياة سراب، أنا حقيقة و "أبو محمد" سراب!!! ماذا أقول..
دخلت غرفتها، وضعت العلبة في درج الطاولة المجاورة لسريرها، لم تفتحها، لم تشأ ذلك، نظرت لأختها الصغيرة، كانت ضامة رجليها إلى صدرها، مطرقة رأسها، يبدو كما لو كانت مستغرقة في التفكير بشئٍ ما، إنها حتى لم تنتبه لدخولها!!!
لم تكن بها طاقة لشئ، لا للحديث مع أحد ولا لأي شئ...دلفت إلى الحمام..
"أأحبه فعلاً، هل سمعت نفسها تهمس بأنها تحبه!!! كلا كلا مستحيل، كيف تحب شخصاً مثله، إنهُ جلف والنساء يحببن الأجلاف..أين قرأت هذه العبارة؟!"
مستحيل، مستحيل أبعد كل ما قاله وفعله أحبه، أجننتِ يا مريم!! لا يوجد شئ اسمه حب، هذه كلمة نقرأها، نسمعها ونشاهدها في الأفلام والقصص...الحب ترهات، ترهات جميلة لكنها تبقى كذبة، ألم أقل لكم أنها ترهات؟!!
لكن ماذا أفسر ما أشعر به الآن، لم أتحرّق لرؤيته، لم أشعر بالسعادة حين يكلمني حتى ولو كان معظم كلامنا شجار؟!!
لم أنجذبت له بالذات دون غيره من الرجال، لم هو بالذات، لم؟!!
يكفي يا "مريم" لقد استرسلتِ كثيراً، توقفي هنا وعودي إلى الوراء قليلاً، من أنتِ ومن هو!!
ما هذا الكلام، إنه ليس بأفضل مني بشئ، أتعنين ماله، المال ليس كل شئ والفقرُ ليس عيباً..لو كان الفقرُ رجلاً لقتلته..ثم نحنُ أفضل من غيرنا..نأكل ونشرب، صحيح أن الكماليات قد لا تتوفر لدينا لكن الحمد لله كل ما نحتاجه من ضروريات مُتاح..
"كفي عن التفكير به، كوني عاقلة، بنات آخر زمن!!!!".
=============
دارت "أمل" حول نفسها بحبور، تكادُ تطيرُ فرحاً بل تتلاشى كالأثير، اليوم فقط كلمها، خاطبها وجهاً لوجه!!!
استندت بعمود السرير، وقلبها يكادُ يقفز من صدرها، تخشى أن تسقط أو تتهاوى، إنها لا تصدق، لا تصدق إطلاقاً أنّ شفتيه لا مست حروف اسمها، صحيح أنه ناداها "أخت أمل" لكن لا يهم، فأن تنتظر كلمة ممن تحب هو أقصى ما يتمناهُ القلب..
أغمضت عينيها ببطء، ببطءٍ شديد، تريد أن تسترجع صورته على مهل، تطلب من خلايا دماغها الرمادية أن تسترجع كل حركة، كل همسة، كل خلجة من خلجاته، لا تريد لطيفه أن يختفي، عامان..عامان عمرُ هذا الحب الأخرس وقد آن له أن يتكلم، لقد مللت وملّ صبري مني..
- أخت "أمل"؟
التفتت إليه، كان خلفها مباشرة، ينظر إليها بتلك النظرة التي طالما أحالت عظامها إلى ماء، ازدردت ريقها وهي تشتم نفسها لأنها لم تنظر إلى وجهها في مرآتها قبل خروجها من المحاضرة "أأبدو جميلة؟!".
- ن..عم. (ردت بهمس ذاهل.(
ابتسم..."أرجوك يكفي!!!".
- أبإمكانك أن تزوديني بقائمة المراجع التي استعنتم بها في بحث "الطفل التوحدي"، سأستعين بها لمشروع التخرج، إذا سمحتِ طبع..
ردت بسرعة دون أن تتيح له الفرصة لأن يكمل:
- بالطبع، ليس لديّ مانع.
"لو طلبت عيني لما تأخرتُ بالإجابة أبداً" فتحت حقيبتها ويدها ترتجف، وفي كل ثانية تنظر له وهي تبتسم بإرتباك، والمشكلة أنها كلما حاولت أن تمسك ال "Disk " كان ينزلق من بين أصابعها، نظرت له بحيرة وهي تكادُ تبكي:
- أعطني كتبك..
سلمتهم إياه بحياء، وأخيراً وبجهد لا يُطاق أخرجت "الديسك"، ستغضب منها "مريم" و"سلمى" بلا شك، ولمَ أخبرهم أصلاً، لديّ نسخة منه في حاسوبي!!
تناولهُ منها بيده الأخرى، اتسعت ابتسامته وأردف:
- على فكرة كان عرضكم رائعاً.
"أسمعتموه ماذا يقول؟! قال عني رائعة.. رائعة!!!!" كادت أت تذوب في وقفتها، قرّب منها الكتب لكنها لم تنتبه، ناداها بلطف، فرفعت رأسها:
- أخت "أمل" تفضلي كتبك أم..لا تريدينها.
أخذتهم منه وهي تتحاشى أن تصطدم بيده، ودعها مكرراً شكره، أخذت تراقب طيفه وهو يبتعد شيئاً فشيئاً، ليت الزمان يجود عليّ بمثل تلك اللحظات...
تناهى إلى مسمعها أصوات شجار قطعت خواطراها، بدأت تعلو شيئاً وشيئاً وهي تقترب من باب غرفتها، هرعت للباب تفتحه، كان "خالد" ممسكاً بزمام قميص "راشد"، أبعدها ذلك الأخير وهو يصرخ:
- أنت لا شأن لك بي، أتفهم.
- تُريد أن تنفصل عن شركة والدي وأسكت.
- والدي لم يمانع.
- ماذا تريد أن يقول لإبنه العاق وهو يتركه بعد أن كبّره وأعطاه من سنين خبرته الشئ الكثير.
- عاق!! لو سمحت تحدث عن نفسك أولاً قبل أن تتحدث عن غيرك.
- ماذا تقصد ها؟ (سأله وقد تمكن الغضب منه.(
سار عنه دون أن يجيب. زفر "خالد" وهو يحاول أن يتمالك نفسه:
"- راشد" ستعود إلى الشركة، أتسمع.
توقف "راشد" وردّ بثبات:
- لن أعود.
- لا تضطرني إلى أن أفعل أشياء ستضرُّك كثيراً.
هوى قلبه إلى الأعماق، تفتت كقطع الزجاج، لا تضعف يا "راشد" لا تضعف أبداً:
- افعل ما بدا لك.
- فرح يا "راشد" فرح...
…………….-.
"رحماك يا ربي، الهمني الصبر..الصبر فقط".
- لقد كبرت وأصبحت أكثر جمالاً.
…………………-
" لا تنطق اسمها بلسانك القذر".
التفت لأخته وهو يسألها بسخرية:
- كم أصبح عمرها الآن؟!
لم تجب "أمل" تنظر لأخيها الذي امتقع وجهه فجأة.
أكمل ببرود:
- ربما نسكن في هذا البيت ، أفكر أن نأخذ الطابق الثاني بأكمله، سأعطيك غرفتي بالأسفل.
"يكفييييييييييييي".
همّ بالصراخ، بالاعتذار، بتقبيل يده ربما!! لايهم.
- مبروك، سأكون سعيد جداً لأجلك، ففرح تستحق الأفضل دائماً!!!
نظر له بتعجب، أجادٌ هو في ما يقوله، لا بد أنّ شيئاً جرى له، هذا ليس "راشد" الذي أعرفه أبداً.
- أنا لا أمزح كما المرات السابقة.
- وأنا جاد في تهنئتي.
- سيكون زواجي نهاية الشهر القادم.
- أكرر مباركتي يا أخي ال..عزيز.
وانصرف بطعنةٍ وداعية!!!!
وقفت "أمل" مبهتة بينهم، تسمع حوارهما وهي لا تكادُ تصدق، ترثي أخاها، لقد قتله، قتلهُ ذلك المجرم، أيُّ أخٍ هذا، أما يسري في شرايينه دمٌ أم ثلج؟!
- أنتَ لا ضمير لك.
نظر لها بشرود دون أن ينتبه لما تقوله، لا زال مصدوماً من ردة فعل أخيه.
- نعم..ماذا قلتِ.
- أقول أنت لا ضمير لك.
ابتسم بتهكم، أخذ يبحث في جيبه عن علبة سجائر دون أن يرد عليها، شعرت بالغيظ أكثر:
- لا أحد يطيقك هنا، أنا أكرهك، الكل يكرهك، وستموت هكذا دون أن يحبك أحد.
فلتت السجارة من يده، نظر لها بغضب أخافها لكنها لم تتحرك، لازالت واقفة:
- اذهبي إلى غرفتك وإلا خسرتي وجهكِ هذا.
نفذت ما قال صاغرة، من هي لتجادله؟! أما هو فقد نظر إلى حيثما ذهب "راشد"، تأمل الممر للحظات، هزّ رأسه ثم تحرك..
وفي الجانب الآخر، في المزرعة، استند "راشد" على السور، وضع يديه على جبهته، يشعر بحرقة تعصف بكيانه، أحس بنفسه ضعيفاً مسلوب القوى كهذه النملة التي تمشي بصعوبة على كم قميصه الآن:
" سامحيني يا "فرح" سامحيني، لكل إنسان قدرة على التحمل، لكنني لم أعد أقدر, سامحيني أيتها الغالية..."
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:16 pm

(15)
استلقت على الكرسي بفتور وهي تشعل اللفافة الرابعة ربما!!! لو أخبرها أحد قبل 10 سنوات بأنها ستدخن لصفعته وهي تضحك في سرها.. ربتت سجارتها بحافة "المنفضة" بخفة فتطاير رذاذه، سعلت قليلاً فهي لم تعتد بعد..
عادت لتنظر إلى النائم على السرير، ابتسمت بتهكم، أصبحت معه كالخفاش، تنام نهاراً ثم تعود في المساء إلى البيت، شهران...شهران كاملان وهي على هذه الحال..
مجت السجارة بعمق هذه المرة فاتحدت زفرتها مع سحابات الدخان، هو من علمها كيف تدخن أول سجارة، قال أنّ التدخين الآن صفة ضرورية للمرأة "الستايل"!!!
قامت من الكرسي ، اقتربت من الفراش، هزته بقوة:
- "بو محمد".
……….-
- انهض، الساعة الآن السابعة والنصف.
- أف، ماذا تريدين؟!
- لقد تأخرت، ألن توصلني؟!
- وما نفع سيارتي الأخرى التي أعطيتك إياها إذن...غداً سأسافر وعليّ أن أرتاح؟!
وعاد ليغطي نفسه بالملاءة من جديد، أين ذهبت الغيرة، أين ذهبت تلك اللهفة القديمة، لم يدّعي الرجال أشياء ليست فيهم، كم هم كذابون، عندهم فقط كلمات، مجرد كلمات ينثرونها على من يريدون، وفيما بينهم يعرفون حقيقتها جيداً!!!
أين تلك العبارات التي طالما أصمّ أذنيها بها:"مستحيل أن أدعكِ تعودين للبيت لوحدك في هذا الليل، تعرفين كم أحبك...كم أخافُ عليكِ و....!!!"
والتقطت مفاتيح السيارة من على المنضدة، سحبت عباءتها بعد أن رشت نفسها بكمية كبيرة من العطر، لعلها تبعد رائحة الدخان الكريهة!!!
أين السعادة الأبدية التي وعدني بها، أهذا هو الزواج؟؟! أهذا ما كانت ترنو إليه طوال حياتها، إنهُ ليس سيئاً بالطبع، لكنه ليس جميلاً كذلك!!! كانت تتوقع شيئاً آخر، لكنّ الواقع شئ وأحلامنا شئ آخر تماماً..
توقفت أمام الإشارة الحمراء، اعترتها رغبة جامحة للتدخين لكنها تكاد تقترب من البيت..أيّ عطرٍ سيغطي عليها؟!
صدت للسيارة المجاورة لها لا إرادياً وهي تنتظر لحظة الإنطلاق، كان صاحب السيارة فاتحاً نافذته يراقبها بالمقابل، ابتسم في وجهها، فعادت لتنظر إلى المقود، مرت دقيقة أو دقيقتان ربما وهي تتأفف من الإزدحام، التفتت إلى السيارة مرة أخرى، أو بالأصح لصاحبها، يبدو أصغر منها، ربما في بداية العشرين...انتبه لنظراتها لكنها هذه المرة لم تُدر وجهها، وما أن ردت إليه الإبتسامة حتى أضاءت الإشارة بلونها الأخضر وانطلقت وهي تشعر بالندم قليلاً!!!
===============
- ماذا بك تبدين واجمة؟! سألتها سلمى.
هزت "أمل" رأسها بضيق وهي تقضم شطيرتها بآلية:
- إنها المشاكل العائلية المعتادة.
رفعت "مريم" رأسها بإهتمام وهي تعبث بالعود في مشروبها الغازي.
- آسفة، لم أقصد أن أتدخل في شؤونك الخاصة. ردت "سلمى".
عادت لتهز رأسها من جديد، تركت شطيرتها دون أن تكمل رُبعها!!! تنهدت وهي تقول:
- أخي سيتزوج قريباً.
شعرت "مريم" بالإنقباض، ارتجف العود بيدها وهي تصيغ السمع..
- سيتزوج؟! وهل هذه مشكلة؟! سألت "سلمى" بمرح.
لكن "مريم" لم تمهلها في الإجابة، عاجلتها بسؤالٍ آخر:
- من منهم سيت..زوج؟!
- خالد..
حينها هوى قلبها، كلا كلا لم يهوي بل تقطعت نياطه، نزفت من الداخل نزفاً عميقاً أماتها، قتل آمالها..اغتال حلمها، أجنحة السعادة تتكسر أمام عينيها، كل ما تراه الآن لا شئ..لا شئ....
حاولت أن توقف اهتزاز يدها حتى لا يلاحظن، وضعتها في حجرها وهي تقاوم نفسها الملتاعة، ترجوها أن تصبر، تصبر قليلاً إلى أن تعود للبيت، وتبكي ما شاء الله لها أن تبكي، امسكي نفسك قليلاً يا مريم..لا تفضحي نفسك!!!
- الأمر أعقد مما تتصورين...لا أدري ماذا أقول!!! (ردت "أمل" ببؤس وهي ترفع يديها في الفراغ.(
صمتت "سلمى" احتراماً لحزن صديقتها، وإن لم تدر لم كل هذا الحزن؟! لم تحب أن تثقل عليها بالأسئلة، فأخذت تعبث بجوالها، أما "مريم" فكانت تغلي من الداخل، تراكمت فيها كل الآلام تلك اللحظة، تدوي من الداخل ولكن بصمت حتى تتقرح...
"ما كان عليكِ أن تتمادي في أحلامك، كل شئ له حدود حتى الأحلام..."
استأذت منهم وهي تتعلل بالدخول إلى الحمام، سارت دون اتزان، دون هدى، لم تعد تتحمل أكثر، وضعت دفتر محاضرتها كيفما كان ودخلت الحمام..أغلقت الباب خلفها، تهاوت على الأرض...دفنت رأسها في حجرها وصوت أنينها المتقطع يرتفع شيئاً فشيئاً..
===============
كان واضعاً ذراعيه أسفل يافوخه، يتأمل المروحة وهي تدور في منتصف السقف، لم يذهب إلى العمل اليوم بل لم يعد يخرج من غرفته كثيراً هذه الأيام، يتحاشى الاصطدام بأخيه، يخشى أن يثيره وينفذ ما قاله..هو ليس نذلاً، يعلم بأنَّ أخاه يحبها منذُ أن كانا صغاراً، وهو لا يكنُّ لها أية مشاعر، مجرد أخوة لا أكثر أو أقل، لكنهُ الغضب لعنة الله عليه هو من يفقده أعصابه، الغضب أم لأنهُ تعود دوماً أن يأمر فيطاع ويأمر ثمّ يُطاع أيضاً!!!
هم عودوه هكذا..أليس ابنهم البكر؟!! قام من مكانه، وتوجه إلى المكتب المفتوح على غرفته، كانت الأوراق مبعثرة بفوضى، أخذ يعيد ترتيبها بملل، ماذا أفعل الآن، يغيظني بعناده الأرعن..يريد أن يكسر كلمتي، لقد التحق بشركة أخرى ليعمل بها وترك شركة والده..ترك حلاله وذهب لينّمي حلال غيره!! ولم لأنهُ لا يرغب أن يعمل تحت إمرتي كما يقول؟!!!
"شبابُ اليوم مجانين، يرددون شعار العصامية وابن نفسك من الصفر..والدنيا كفاح ومشوار المليون يبدأ بخطوة، يا لهذه الترهات، عبارات زائفة كأحلامهم البلهاء!!!" هكذا خاطب "خالد" نفسه وهو يبتسم بتهكم وضيق..
"لم أنت غاضب هاا؟! أكلُّ هذا من أجل "راشد"؟! لم يكن يوماً نداً لك يستحق أن تفكر فيه.. اعترف وقل أنها هي السبب، نبذها لك تلك الليلة، لم تكن تعبأ بك كما تظن، وكيف تعبأ بك وأنت لم تقصر فيها لحظة؟!! والأسوأ أنك لم تعد تراها وليس لديك سبيلٌ إلى ذلك..
أهذه هي النهاية فعلاً، نهاية هذا الح...ماذا تقول؟! باتت زلات لسانك كثيرة هذه الأيام!!!
أين أنت وأين الحب؟!! أنت لا تحب إلا نفسك، وفي صدرك هذا قلبٌ واحد لا تقدر أن تجزأه إلى نصفين..
إذن ماذا أسمي هذا كله، ماذا أسمي هذا الشعور الذي يجتاح جوانحي، شوق، وله، إعجاب، إنجذاب، ماذا أختار؟!!
لا يهم..لا يهم..المهم أنني لن أقف هكذا مكتوف اليدين..ليست هي من تديرُ عقلي هكذا وتذهب..كل ما أحتاجه هو الصبر، الصبرُ فقط، ولكل باب مفتاح..أليس هذا ما قاله "فيصل"!!! لن أدعكِ تفلتين من يدي هكذا، إنها مسألة وقت فقط!!!
و اتصل ل"فيصل" واتفق على أن يلتقيه بعد قليل في شقته، لعلهُ جو الكآبة المحيطة به....
================
صداع رهيب يعصفُ برأسها، دثرت نفسها وهي تتقلب على فراشها يمنةً ويسرى، دفنت وجهها في وسادتها المبللة، ضغطت عليها بقوة لعلها توقف ذلك العرق المجنون الذي ينبضُ في جبهتها ، سيتزوج.. سيتزوج...قالت أنهُ سيتزوج، ممن يا ترى ؟!
لماذا الآن وبعد أن تعلقتُ به، لم يطلب مني ذلك أعرف، ولم يوهمني بشئ ولكن كل ما حدث كان رغماً عني...
انتشلت نفسها بصعوبة وحرارة تلفحها، توجهت لدرج خزانتها وهي تستعين بذلك الضوء الخافت الذي تبعثه "الأباجورة".
- ماذا تفعلين؟!
جفلت في مكانها، كانت "ليلى" ويبدو أنها لم تنم أيضاً في هذه الليلة الليلاء!!!
- أبحث عن مسكّن للألم، رأسي سينفجر.
عدلت "ليلى" من جلستها، مدت يدها لحقيبتها وناولتها حبتان، ازدرتهما هذه الأخيرة دون أن تستعين حتى بكوبِ ماء.
- والآن اخبريني ماذا بك.
جلست "مريم" على حافة الفراش وهي تمررُ باطن كفها على جبينها.
- قلتُ لكِ رأسي يؤلمني.
- أتخالينني لم أسمع شهقاتكِ التي لم تتوقف دقيقة...أكل هذا بسبب صداع؟!
رفعت رأسها بتوتر وردت:
- نعم.
- أنا لا أصدقك...
- لا يهمني إن صدقتِ أم لا. (ردت بعصبية وهي تعود لتستلقي على فراشها من جديد.(
- أنتِ تخبئين عني شيئاً، أعرفكِ تماماً..
توقفت وهي تثني وسادتها، وردت ببرود:
- أأنا من لديها شئ تخبئه أم أنتِ؟!
- ماذا ت..تعنين؟! (سألت بخوف وحمدت ربها أن الضوء كان خافتاً ولا يكاد يبين ملامح وجهها.(
- تغيرتي كثيراً..طريقة كلامك، شرودك الذي لا ينتهي، لم تعودي تهتمين بنفسك كالسابق، أيام تذهبين للعمل وأيام لا وكأن العمل لم يعد من أولوياتك..أيمكن أن تفسري لي كل هذا البرود والاستهتار؟!
- لا شئ...لم يتغير فيّ شئ..هذه أنا ليلى القديمة بشحمها ولحمها. "أي كذبةٍ عمياء أُلقيها".
- أنا لا أصدقك.
أعادت عليها جملتها السابقة:
- لا يهمني إن صدقتِ أم لا.
لم تعلق، عاد إليها الصداع بقوة من جديد..لم تأتِ الحبوب بمفعولها بعد، ضغطت رأسها بالوسادة.
- لا تذهبي غداً للجامعة ما دمتِ متعبة. (أردفت وهي تطالع أختها بحنان في هذه الظلمة.(
- غداً الخميس..أصبحتِ تنسين كثيراً أيضاً.
عضت "ليلى" على نواجذها، صمتت و هي تحاول أن تنام هي الأخرى....
============
أشرق الصباح حزيناً، هناك عيون جافاها النوم وأرقها السهاد..قرّح جفونها وأحال أحلامها إلى كوابيس..
استيقظت "مريم" بتعب، لقت أختها نائمة، خرجت بهدوء وهي تدلف إلى المطبخ، أعدت لنفسها كوب شاي بالحليب، كان طعمهُ مراً، أضافت له مزيداً من السكر لكن دون فائدة!!
رأت أخاها الصغير جالساً في الصالة، يشاهد رسومها المفضلة "Tom & Jerry"، جلست بجانبه، حياها بإبتسامة، ردتها له بأجمل منها رغم كل ما يعتمل بداخلها..
كل المشاهد كانت مضحكة، بل تُجبرك على أن تقهقه، لكن هنا..في هذا الجوف غصّة، تمنعها من الضحك، اكتفت بالإبتسام فقط..
"-مريوووم".
- نعم.
- سنذهب إلى المهرجان اليوم صح؟!
- أيُّ مهرجان؟
- المهرجان الذي سيقام بالقرب من مدينة الملاهي الجديدة.
تذكرت أنها رأت إعلاناً حول مهرجان أو شئ من هذا القبيل في الشارع.
- أنا لن أذهب، قل لوالدي أن يأخذك"…….ومن له خاطر كي يستمتع بشئ".
- كلا، كلا إذا لم تذهبي معي لن يأخذني والدي، سيتعلل بالعمل.
- سأطلب من "ليلى" أن تذهب معك.
- لا أريدها، دائماً تصرخ عليّ وتضربني.
- أنا مشغولة، عليّ بحوث لا بد أن أنجزها، ليس لديّ وقت للتفاهات.
……………….-
- ماذا..ستعود للبكاء كالفتيات!!
صاحت فيه بغضب، لم يعد بها قدرة على أن تساير أحد.
ها قد هطلت دموعه دون إنذار، لم تعبأ به، قامت من جلستها، إلى متى سيظل هكذا..ما أن نرفض لهُ طلباً حتى يبكي لنستسلم له!!
ارتفع صوت ذلك البكّاء، صعدت السلم سّلمة سلمة، توقفت عند باب غرفتها، أمسكت الإكرة لكنها لم تلبث أن أفلتتها، نزلت من جديد، ليس معنى أن تكون غاضبة منه أن تُسقط غضبها على هذا المسكين..لا يجدر أن ننشر تعاستنا على الآخرين، يكفي ما نحنُ فيه، لعلنا حين نرى فرحتهم نفرح وننسى أحزاننا..
رآها عائدة من حيثُ أتت، توقف عن البكاء وابتسم لكأنهُ علم أنها ستعود، حاول أن يخفي ابتسامته ويتظاهر بالعبوس لكنهُ أمسك ما أن رآها تبتسم بحنان في وجهه.
- سأخبر والدي بأن يأخذنا عصر هذا اليوم.
………………-
- هيا كف عن البكاء.
……………….-
- كفّ عن البكاء وإلا غيرتُ رأيي.
- كلا كلا، أنا أصلاً لم أكن أبكي. (قالها بأنفة وشموخ!!(
- اممم، هذا واضح فأنت بطل.. "ولكن من ورق!!".
=================
كان الجو بديعاً، ربما ليتيح للزائرين يوماً صافياً جميلاً، أمسكت "مريم" بيد "أحمد" و"ليلى" بجانبهم.
- انتبهن لأنفسكن، وأنتِ يا "مريم" انتبهي لأخيكِ جيداً. خاطبهم الأب.
- لا تقلق يا أبي. ردت "مريم".
- وأنت يا "أحمد" لا تزعج أختاك، أسمعت؟
هزّ "أحمد" رأسه بأدب إيجاباً.
- طيب، سأذهب حيث تقف سيارات الأجرة، إذا انتهيتم اتصلوا بي، سأعود بين كل حين.
ودعهم الأب وما أن ابتعد عنهم بسيارته حتى أفلت "أحمد" يد أخته وأخذ يركض كالملهوف وقد أسرته الألعاب الضخمة و الغريبة الشكل، ضحكت الفتاتان بخفة وهنّ يتابعنه بأعينهن.
أقتلعت "ليلى" عذق مشموم في طريقها وأخذت تشمه بأريحية، جلستا على كرسي بصمت وشرود، تتأملان المارة وهم كأفواج نمل من كثرة عددهم، عاد "أحمد" الصغير وهو يصيح بإنفعال:
"- مريووم" تعالي..تعالي سنلعب في الأخطبوط.
- أيُّ أخطبوط؟
- ذاك.
وأشار إلى لعبة كبيرة خضراء على هيئة أخطبوط يحلق في السماء بأذرعه التي تنتهي بأكواب يركبها الجميع.
- أتلعبين معنا يا "ليلى"؟ سألتها.
ابتسمت هذه الأخيرة بتهكم:
- في هذا السن وألعب، أتريدين أن يضحك عليّ الناس!!
- ما هذا الكلام، لم أسمع أنهم وضعوا سناً محدداً للعب؟!
- اذهبي والعبي، سأبقى هنا، أعجبني المكان.
لم تلّح عليها أكثر، كان "أحمد" يجرها وقد غلبهُ الحماس، انتقلت لها عدوى الحماس لكن ما أن وقفوا أمام اللعبة، وبان شكلها وحجمها الحقيقي حتى شعرت "مريم" بالخوف..الأشياء من بعيد تبدو أفضل مما لو كانت قريبة!!!
- تبدو خطرة، سنلعب لعبةً أخرى.
- ماذا؟!! أريدُ أن ألعب فيها.
- انظر لتلك المناطيد، تبدو أحلى.
- كلا كلا، إنها للأطفال.
"وأنت من أي جنسٍ إذاً!!!"
أخذ يلحُّ عليها إلى أن رضخت، جلست بجانبه والخوف يشلُّ حواسها، أمسكت بحاجز الأمان.... امتلأت اللعبة سريعاً، تحركت ببطء في البداية وما لبثت أن انطلق الأخطبوط بجموح وهو يمدُّ أذرعه المجنونة مثله في كل مكان!!! أغمضت "مريم" عينيها بقوة وهي مطبقة فمها، مانعة نفسها من أن تصرخ، كل شئ مظلم..لا تشعر إلا بنفسها وهي تطير في السماء وتهوي في الأرض بقوة في دوائر لا نهاية لها، وأحمد بجانبها يصرخ ولكن من شدة الإثارة..تلت في سرها كل السور التي حفظتها منذُ أن كانت طفلة...ألن تتوقف هذه اللعبة أبداً!!!
وكأن الله استجاب لدعواتها فتوقفت، لكنّ رأسها لم يتوقف عن الدوران!!!
- "مريووم" قومي، لقد ذهب الجميع..
ابتسمت له ببله دون أن تعي ما يقول، كانت الرغبة بالتقيؤ هي التي تسيطر عليها تلك اللحظة..
- هيا، قومي سنلعب لعبةً أخرى.
…………-
- ما رأيك أن نلعب في السفينة تلك؟!
التفتت إلى هناك، وكان يكفي أن تسمع أصوات الصراخ المنبعثة منها لتدرك أنها تفوق 10 أخطبوطات من تلك التي ركبتها منذُ قليل!!
أنهضت نفسها بثاقل، تحاول ألا يختل توازنها، أمسكت نفسها كي لا تصفعه.
- تريد أن تلعب لعبة أخرى؟؟ هيهات..أنا لن ألعب معك.
- سألعب في السفينة..سألعب.
- إذن اذهب وألعب فيها لوحدك.
وسارت عنه دون أن تترك له مجال، أما هو فلم ييأس وتوجه إلى حيثُ يريد، التفتت "مريم" خلفها لكنه كان قد ذهب، أكملت سيرها إلى حيثُ تجلس أختها بهدوء تراقب الأطفال وهم يلعبون، تدحرجت كرة أسفل حذاءها، تقدم منها طفل بخجل وتردد وهي يشير إلى كرته، ابتسمت له بلطف، احنت جذعها وناولتهُ كرته..أخذها منها شاكراً وسار إلى البعيد..تلاشت ابتسامتها..أسيكون لي طفل يوماً ما..يناديني "ماما "، أسأحوز هذا اللقب قبل أن أختم سير حياتي أم أنهُ سراب آخر من سرابات "أبو محمد"!!! لا أدري إن كان وصل إلى قطر أم لا، سأتصل به في المساء..
انتبهت لحركة "مريم" بجانبها، حركت عذق المشموم بخفة أمام أنفها الأقن:
- أين "أحمد"؟
- لقد تركته يلعب.
- لوحده؟!!
- وماذا تريدين مني يا آنسة؟! أن أركب معه في كل لعبة..
"آنسة..يا ليتني أعودُ آنسة، أدفعُ عمري كله لأسترجع هذا اللقب ".
- الدنيا ليست أمان كالسابق، كل يوم نسمع عن اختطاف طفل والعياذ بالله.
- إنهُ يلعب في الجوار، كما أنه يعرف مقرنا وأرقام هواتفنا.
عللت دون اقتناع وقد بدا الخوف يغزو قلبها لكنها حاولت أن تطرده.
في الجانب الآخر، كان "فيصل" مع "خالد" يتمشيان، لمحهُ هذا الأخير واقفاً ينتظر دوره ليقطع تذكرة ركوب، ناداه وهو يشكر "فيصل" في داخله لأنه سحبه إلى هنا بالرغم من اعتراضه في البداية.
"- أحمددددد".
التفت الصغير وقد اتضحت لهُ هوية المنادي، فاقترب منه مطمئناً:
- كيف حالك يا صغير؟
- بخير. (ردّ بخجل.(
ودّ أن يسأله أسئلةً كثيرة لكن وجود "فيصل" منعه.
- أتلعب هنا وحدك؟!
- أجل. (ردّ بخجلٍ أكبر).
شعر "خالد" بالإحباط لكنهُ أردف:
- أتريد أن تأتي معنا، سنلعبك في ألعاب كثيرة.
وبدون تردد سار معهما، مرحوا كثيراً واستمتع "خالد" بصحبته بالرغم من شعوره بالإحباط، ربما لن تُتاح له أن يراها هذه المرة..

مرت ساعة وهم هكذا وقد بدأ الغروب بالبزوغ وتوارت الشمس خلف الأفق..
في البعيد...اشرأبت عنقهما لكل طفل يلوح أمامهما..بدأ خوفها يتصاعد:
- لا بد أنه في يلعب في لعبةٍ ما..إنهُ لا يسأم. (أخذت تبرر).
………..-
- سأذهب لأبحث عنه.
ونهضت بقلق، عادت إلى آخر موضع تركتهُ فيه لكنها لم تجده، ذهبت بالقرب من السفينة لكن أفواج الناس تمنعها من الرؤية، كل ما تراه رؤوس كثيرة..أين تجده في هذه الزحمة؟!
عادت لليلى، سألتها بلهفة:
- هل وجدته؟
هزت كتفيها بيأس وهي تكادُ تبكي هلعاً:
- لم أره..لم أره.
تابـــــــــــــــــــــــع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:17 pm

أمسكتها من يدها، وهما تسيران دون هدى لتبحثان عنه، كانت "مريم" ترتجف..قدماها لا تقويان على حملها..ماذا لو حدث لهُ شئ..هي السبب..هي من تركته...لن تسامح نفسها أبداً.
فتشتا في كل مكان، أو بالأحرى "ليلى" هي من كانت تفتش، كانت "مريم" تتهالك على أي شئ فلقد أخذ منها الخوف كلَّ مأخذ وشلّ أطرافها الممزقة من التعب.
أما تراه الآن حقيقة أم خيال رسمه لها عقلها الباطن؟!! لمست كتف أختها دون أن تحول عينيها، كان ماسكاً يد أخيها هو وشخص آخر..يأرجحانه في الهواء وهو يضحك بحبور، بدا شفافاً تلك اللحظة وقد خلع رداء القسوة الذي يغلف نفسه به دائماً..يتغير الإنسان كثيراً حين يتصرف بعفوية..
- ليلى..وجدته "وجدتُ قلبي"، وجدتُ أحمد..
لكن الأخيرة كان ذهنها منصرفاً إلى شئٍ آخر، إلى شخص تعرفه تماماً، تعرفه ولم تتوقع في يوم من الأيام أن تراه..وأين؟! هنا؟؟
ردت عليها بصوتٍ غائب:
- اذهبي واحضريه إذن، سأتصل لوالدي لنعود.
وابتعدت عنها دون أن تسمع ردها، تتابع طيف ذلك الشخص الذي يجول بمفرده، أتُراه لازال يذكرها؟؟!
سارت "مريم" ببطء، توارت خلف عمود إنارة فبان نصفها الأيسر فقط..منذُ متى لم تره..مضى وقتٌ طويل أليس كذلك؟! ألا ترون أنهُ نحل قليلاً..
كانوا قد اقتربوا، أرادت أن تنادي أخاها، لكنها تعرف أنّ حنجرتها ستخونها حتماً، تريدُ أن تملأ عينيها من صورته..فربما غداً لن تراه..سيصبح لأخرى..سيتزوج وستُعلن الحداد على قلبها للأبد!!
لمحها "أحمد"، حاول أن يسحب يديه منهما لكن هيهات:
"- خالد".."فيصل" دعوني، أختي تنتظرني.
- أين؟؟ (سأل "خالد" بلهفة وقد ترك يدهُ الصغيرة).
لم يُجب وسار إلى حيثُ تقف، رفع رأسه، كانت مختبئة خلف العمود، تلاقت عيناهما، أطيافُ الحزن قد تجمعت فيها وبدا لونها الأبيض شاحباً، طأطأت رأسها تتحاشى عينيه، يكفيها كل العذاب الذي لاقتهُ منه..
شدّ أحمد طرف عباءتها بمرح فاهتزّت خواطرها:
"- مريووم" يا ليتكِ كنتِ معنا..لقد استمعتُ كثيراً.
………..-
"- خلّوود" ركب معي في كل الألعاب، إنهُ أفضل منك!! ليس مثلكِ خوّاف..
…………………-
رفعت رأسها إليه من جديد، لازال واقفاً ينظرُ لها بتردد، حوّلت وجهها إلى أخيها، لم تعاتبه، لم تصرخ عليه كالعادة لأنها ببساطة كانت تشعر بالضياع..تشعر بالحزن..بالألم..بالجرح الذي سببهُ لها ذلك البعيد القريب، أمسكت يد أخيها لتعود إلى حيثُ أتت، لكن الأخير أفلتها وهو يصيح بإنفعال:
- سأودعهم، سأقولُ لهم "مع السلامة" على الأقل..
"آآآه، لحظة الوداع حانت، ليس بي قدرة على التحمل أكثر، رحماك يا رب..يا قلب ابعث لهُ سلامي".
تركها "أحمد"، ذهب عندهم، أما هي فلفت وجهها بعيداً بعيداً كي لا يلاحظ تلك الدموع التي بدأت تحرقُ مقلتيها وهي تصارع للخروج بعناد..
- كيف حالك؟!
لفت وجهها سريعاً لمصدر الصوت، كان قريباً، قريباً جداً وبعيد في نفس الوقت، جفلت وابتعدت لا إرادياً قليلاً إلى الوراء.
- كيف حالك؟ (كرر سؤاله وهو يحتوي وجهها بعينيه بحنان).
"أتسألني عن حالي؟! ماذا تتوقع وأنت تقتلني بدل المرة مليون!! أرجوك ابتعد، اخرج من حياتي، فهذا أفضل لي و....لك!!"
لم ترد، بل أطرقت وهي تنظر للأرض بعينين لا تريان.
- مريم....
نطق اسمها ولأول مرة أمامها، رنّ اسمها في أذنيها بوقعٍ غريب لم تسمع مثله من قبل!!
……………-
- مريم، أنا أكلمك ، لم لا ترفعين رأسك؟
……………-
لم تستجب، لا تريد لوجهها أن يفضح مشاعرها تجاهه، أن تذل نفسها لإنسان لا يستحق هو آخر ما تريدُ فعله.
- لقد اشتقت لرؤيتك ورؤية وجهك!! (قالها بحرارة.(
!!!!!!!!!!!!!!!-
تجرأت ورفعت رأسها وقد عمّ الاحمرار جميع قسمات وجهها، رمشت عينيها بخجل، لكنها لم تقوى على النظر إليه هكذا..مباشرةً، غضت طرفها وأطرقت رأسها من جديد، رفعت رأسها فجأة وكأنها انتبهت لنفسها، كيف تسمح له بأن يكلمها هكذا دون حدود؟! ثم أليس سيتزوج قريبا!! لم هذه التمثيلية إذن؟!
دائماً تخونه مشاعره أمامها، كلما حاول أن يتمالك نفسه، كان شيئاً أقوى منه يشده، يجعلهُ ضعيفاً أمامها..يدفعه لأن يعترف بأشياء لا يريدُ الاعتراف بها حتى لنفسه!!!
- مريم أنا..
- أنت ماذا؟! (صاحت فيه بإنفعال.(
- أنا...أنتِ أريد أن أقول..أقصد لاشئ..لاشئ!!
هزّ رأسه نافياً وكأنهُ غير رأيه في اللحظة الأخيرة.
"تريد أن تقول أنك ستتزوج، اطمأن فأنا أعرف، أصبح خبراً قديماً..". كانت الغصة أقوى منها، أقوى من أن تتمالك أعصابها المرهفة..أتعرفون إلى أي مدى يقودنا اليأس؟!
- لماذا تفعل بي هكذا؟! (سألته بتباكٍ).
……………..-
- حرام عليك حرام..
- مريم أنا...
- يكفي، أنا لا أريد أن أسمع شيئاً منك، أرجوك فقط ابتعد عن وجهي لا أريدُ أن أراك.
وأردفت وهي تريد أن تؤلمه، أن تؤذيه كما آذاها في قلبها..في الصميم:
- أنت شخص كريه، غشاش لا تُطاق..أنت لا شئ بالنسبة لي، لا شئ أتفهم، لذا أرجوك لا تتعب نفسك وتحادثني للأنني لن أهتم لشخصك أبداً.
دارت بغضب، الكلام معه لن يُجدي أبداً، كيف لمثله أن يشعر، وكيف لها أن تُحب شخصاً مثله!! أما هو فقد جرحتهُ كلماتها، الكلمات أقسى من الفعل أحياناً، اسمعت أيها الأحمق ماذا قالت وأنت كنت وبكل غباء ستعترفُ لها بحبك الأرعن مثلك!!!
أعماهُ الغضب، لا بل كلماتها هي من أعمته، أمسك ذراعها من الخلف بعنف وأدارها أمامه:
- ماذا تفعل، أترك يدي...هل أنت مجنون؟!
لازال قابضاً عليها بقوة وآلاف الشياطين تتراقص أمام عينيه...
- لا تمسكني هكذا أمام الناس، إنهم ينظرون إلينا. (صاحت فيه وهي تحاول جاهدة أن تسحب يدها من قبضته.(
صرخ فيها بوحشية:
- أتريدين أن أمسك بكِ في مكان آخر، بعيداً عنهم؟!!!!
===============
و لا زالت الضلالات مستمرة....
يا تُرى من الشخص الذي رأته ليلى؟!!
وماذا عن مريم وخالد..أين سينتهي بهما المطاف...
أحداث كثيرة تنتظر أبطالنا في المهرجان..
أسينتهي ذلك اليوم حقاً على خير؟!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:18 pm

(16)
اقتربت منه، كان مُديراً ظهره لها، ينظر دون هدف، أجاء هنا لوحده...أم؟!!
- س..سلمان.
لم يسمع، رفعت من طبقة صوتها قليلاً بتردد.
- سلمااان.
والتف إلى صاحبة الصوت، فتح عينيه بدهشة ممزوجة بالفرح:
- من؟! ليلى..معقول!!
وابتسمت، بل ضحكت بحبور في وجهه، تقدم منها أكثر حتى بات يواجهها تماماً:
- كيف حالكم، وكيف حال الوالد ومحمد؟!
- بخير، كلنا بخير والحمد لله!!!!
- وأنتِ ما هي أخبارك؟
- ب..بخير، لا زلنا أحياء في هذه الدنيا..
وحل الصمت، كلاهما يفكر بجملة..بسؤال..بأي شئ!!!
- أأتيت هنا للسياحة؟!
- كلا، أنا أعمل هنا منذُ مدة، عقدي سينتهي بعد شهر وسأعود حينها للبلاد.
…………….-
- أين تقطنون،أ..ربما أزور "محمد"، اشتقت له كثيراً.
قالها وهو ينظر لها بحنو، بحسرة من أضاع شيئاً..شيئاً كان يوماً نفيساً بالنسبة إليه.
"لا تنظر إليّ هكذا، لم أعد أنفعُ بشئ، لم أعد ليلى، لم أعد أعرف حتى نفسي!!!".
- نسكنُ في "......."، سأعطيك رقم هاتف المنزل إذا أضعت يوماً..
سجل رقم الهاتف، أخذت ترمقه، كم تغير كثيراً، بات أكثر صحة، حتى أن جسده اكتسب بضعة أرطال..كانت أيام!!!
- طيب، عليّ أن أعود الآن، استودعك الله.
- مع السلامة.
لوح لها مبتعداً وهو يبتسم، عادت لها كآبتها من جديد...سلمان..لماذا الآن..لماذا!!!
كان جارهم، وصديق أخيها "محمد" منذُ الطفولة، يتردد كثيراً لمنزلهم، جعلت منهُ فارسها وهو أيضاً كان يبادلها نفس الشعور وربما أكثر، لكنّ ملازمته لمحمد جعلتهُ مدمناً مثله، وكأنه طبق المثل القائل: الصاحب ساحب!!!!
ولكلٌُّ إرادة متباينة، ولصاحبنا هذا إرادة من حديد، لكنها لم تشفع له!!! فقد تعالج في إحدى عيادات الإدمان وحين تقدم للزواج منها والدها رفضه!! رفضه لأنه لا يرتضي لإبنته أن تأخذ مدمن مخدرات حتى ولو كان يحمل لقب (سابقاً)، ما أدراها ربما يعود مرةً أخرى للإدمان، دمهُ ليس نظيفاً مائة بالمائة، له قابلية للإنجذاب لأقل شئ، لمجرد الإسم فقط، رفتيل..لبتيل..تبتيزل..ال.اس.دي، هيروين..كوكايين والبقية تأتي !!!
"لم لم تعطه فرصة يا والدي، لو تراه كم تغير، بات شخصاً أفضل، كل إنسان يخطأ، فإذا كان ربُّ السماء يرحم ويسامح، فلم لا نسامح ونحن عبيده..مجرد عبيد..
سامحك الله، ظننت أنك أخرجتني من ورطة، فوقعتُ في "أبو محمد" !!!!
هزت رأسها بتهكم ساخر، ودلفت لتبحث عن أختها وأخيها...
=======
"-خالد" دع أختي، لا تضربها، أنا لا أحبك، لن أكلمك بعد الآن.
تطلع إلى الصغير، ثم تطلع لأخته، تلك التي تثير جنونه، يود أن يضربها أحياناً فعلاً!!!
ترك يدها بإزدراء وكأنها لا شئ، كانت طوال الوقت صامتة تتطلع له بعجب وكأنّ لوثةً أصابتها!! تحاول أن تحلل جملته الأخيرة في ذهنها لكنها لا تجدُ لها معنى أو تفسير!!
وحين تركها، أفاقت من شرودها الذاهل، وابتعدت عنه بخطوات بعيدة إلى الوراء، إلى حيثُ ينتصب عمود الإنارة، لكنها لم تصطدم به بل أصطدمت بجسد أختها العائدة للتو.
- ماذا جرى لكِ، كيف تمشين للخلف هكذا كالحمقى!!
لم تجب، لازلت تنظرُ إليه، على وجهها تساؤلات كثيرة وفي عينيه إجابات مغلقة لا تقدر أن تفك شفرتها.
تطلعت "ليلى" إلى حيث يقف أخاها وبجانبه ذلك الشخص، نقلت بصرها بين الاثنين تريدُ أن تفهم..لكن لا حياة لمن تنادي..
- لقد اتصلتُ بوالدي عدة مرات لكنهُ لا يرد.
………………….-
- سنذهب لنبحث عنه في الموقف.
وأشارت ل"أحمد" فهرع إليها وهو متضايق من الموقف برمته، لا يريد أن يخسر صديقه الجديد ولا أن يُغضب أخته التي ستضبُّ جام غضبها عليه بعد قليل وكأنهُ السبب في ما حصل!!
لكنها لم تكن غاضبة، كانت حزينة أو بالأحرى لا تستطيع أن تحلل مشاعرها إلى حقيقتها تلك اللحظة..
ساروا ثلاثتهم بصمت، كلٌُّ سارح بخواطره، ليلى وسلمان، ومريم وذلك المتعجرف، وأحمد والألعاب التي لم يشبع منها بعد!!
شدتهم الفوضى، رفعوا رؤوسهم دفعةً واحدة، حيثُ يتجمهر الناس في موقف سيارات الأجرة، توقفت "مريم" وهي تشدُ على يد "أحمد"، وتبادلت وأختها النظرات، هزت تلك الأخيرة رأسها بنفي وأنطلقت إلى هناك..
وتسارعت النبضات بين خافقيها دون أن تدري سبباً لذلك، كانت تشعرُ بالجزع، بشعورٍ سئ، لا تريد أن تذهب إلى هناك وترى ما يحدث، لا تريد وكفى!!!
وتهالكت على الرصيف، تسمع توسلات "أحمد" ليلحق بأخته، تطلعت إليه لثوانٍ ثم نظرت إلى السماء، بدت النجومُ فيها قلوباً واهنة تنبضُ من بعيد، عادت تنظر بزيغ إلى "أحمد"، وتعاودُ الدعاء..
======
- هل انتهى الفيلم الهندي!!
………………….-
- وددتُ أن أصوركما بكاميرة جوالي، لكني خفتُ أن تذوب العدسة!!!
- تذوبُ من ماذا؟ (سألهُ بحنق.(
- من حرارة المشاعر!! منذُ زمن لم أشاهد أفلاماً هندية، ذكرتني بأيام "أميتاب بشان وسرديفي" الله يذكرك بالخير!!! (وضحك مقهقهاً.(
- لو تعرف كم أنت سخيف..(قالها وقد علقت ابتسامة خفيفة على شفتيه).
- وما دمت يا أخي تحبها لهذه الدرجة، أخطبها وارح نفسك.
- وهل قلتُ لك أني أحبها يااااا "أبو العريف"، إنها لا تعني لي شيئاً، تلك المغرورة بلا شئ.
- لستَ بحاجة لأن تقول ذلك، تصرفاتك البلهاء تفضحك.
- أنت الأبله بشاربك هذا.
- ابتدأ موّال الغيرة.
- وبالإضافة إلى كوني لا أحبها، فهي لا تصلح لي كزوجة أبداً.
- لماذا؟
- كم مرّة أعدتُّ عليك قائمة مزاياها.
- هذا ليس سبباً كافياً، أنت ستأخذُ الفتاة لشخصها وليس لحسبها ونسبها وما شابه. (قال بحدة استغرب منها خالد.(
- حين تأخذ فتاة ما لن تأخذها وحدها فقط، بل ستحمل معها اسمها واسم عائلتها، فإذا كانت عالية رفعتك إلى فوق، وإن شابتها شائبة مرّغت رأسك في الطين!!
- وما أدراك أنّ صاحبة الرصيد الكامل من النسب والحسب والمقام كما تزعم، لن تمرغ رأسك في الوحل، أتحسب كل من تعيش في بيت أهلها معززة مكرمة هي فتاة شريفة؟!! اسألني أنا، كل من أعرفهن بنات عائلات والله لا يساوون ظفر أنملة من هذه الفتاة.
- ما دامت تعجبك هكذا لم لا تتزوجها أنت إذن؟) صاح فيه بغضب.(
- لا فائدة منك، لن تتغير أبداً، هذا الأنف المتكبر لا يعرف الإنحناء.
- صه، انظر لهذه الجمهرة من الناس، يبدو أنّ حادثاً حصل.
نظر "فيصل" إلى حيث يشير "خالد" وسارا معاً ليرا ما هناك....
========
ألم تتأخر "ليلى"؟!
يكفي، ما عاد بي قدرة على التحمل، لم يعد بي قدرة على النهوض، لا بد أنّ ما أتخيله حقيقه، وساوسي حقيقة وأحلامي سراب..سراب...
سار عنها "أحمد"، لم تستطع أن توقفه، بل لم تنتبه لفراره، تخاطبُ نفسها وتدعو في سرها أنّ ما يدور في ذهنها هو من وحي تهيؤاتها فقط، فليتحقق هذا الأمل فقط وبعده لا يهم، لا يهم....
انتشلت نفسها، لقد تأخروا كثيراً، تسحبُ نفسها ببطء، تمشي بعينين نصف مغمضتين، لا تُريد أن تُصدم فجأة، ها هي تفتحها، وتغلقها حيناً حين تقترب، يالله يا لأعداد الناس الغفيرة، لكأنهم في حفل!!
اشرأبت عنقها وهي تحاول أن تقف على رؤوس أصابعها، لعلها ترى شيئاً من بين تلك الظلال البشرية، ولمحتها..
كانت جاثية على ذلك الجسد، تلمهُ بما استطاعت به أن تلمه وثلةٌ من النساء يحاولن أن يبعدنها لكنها لازالت متشبثة بذلك الجسد الذاوي.
ردت بصرها إلى الخلف بسرعة، ثم عادت لتنظر إلى الطريح على الأرض، كررت هذه الحركة عدة مرات، كانت تسمع أصوات...همسات تناديها "م..ر..ي..م" ثم تليها ضحكات مجنونة، لتعود تناديها مرةً أخرى بذلك الصوت الهامس "م..ر..ي..م".
ابتعدت عن الأشجار وهي ترتجف، لا بد أنّ حفيفها هو من يصورُ لها تلك الأصوات، اقتربت أكثر، همهمات كثيرة طغت حول المكان:
"لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
"ليرحمه الله كان رجلاً طيباً"
"مسكين، مات في الغربة، ليساعد الله عياله".
لم تصغ السمع أكثر، أذناها ترفضان استقبال هذه الكلمات، أرادت أن تدخل بينهم، أن تشارك في المعمعة، أن تغوص مع تلك الأمواج البشرية، لكنهم لم يسمحوا لها، الكل يتسابق لتصوير الحدث بالعين مباشرةً.
" ابتعدوا أرجوكم، هذا الجسد أعرفه، وتلك الفتاة التي تبكي أختي و.....أين أحمد؟!!"
رددت في نفسها بذهول السكران، عادت لتجلس على أي شئ، تديرُ رأسها حول المكان ببله، تناهى إلى مسمعها صوت سيارة إسعاف، أصوات كثيرة مزعجة، لكنها لا زالت تبحث عنه بعينيها، عيناها هما الوحيدتان اللتان تتحركا، أطرافها خدُرت، ترفض أن تُطيع وتتحرك..
شعرت بالصداع يعودُ إليها من جديد، أراحت رأسها في حجرها وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة..
اقتربا، الصور تتضح والموقف المتماهي يتضح شيئاً فشيئاً، في زاويةٍ ما كان مختبئاً، يعضُّ على يده بقوه وجسد الصغير ينشج بصمت كنشيج الميازيب في مواسم المطر، ميّزهُ "خالد" فأسرع إليه...كيف لا؟! أليست أخته!!
"- أحمد".
وخرجت من فمه الصغير شهقة مكتومة، عاد ليكمم فمه بيده من جديد وجسده يرسل اهتزازات عنيفة...
- ماذا بك، لم تبكي؟!
…………..-
- ماذا حصل؟ سأله بخوف.
لا زال يبكي دون أن يحر أي إجابة، أبعد "خالد" يده و هو ينزل بمحاذاته:
- أبي..................... م..ا...ت.
وارتمى في حضنه، بهت "خالد" في مكانه، صمت لبضع لحظات، كان يضغط رأسه على صدرة بقوة لكأنهُ يودُّ اختراقه. ربت عليه وهو يفكر بالأخرى..تُرى كيف حالها الآن؟! نهض من على الأرض بعد أن هدأت شهقاته، لمّهُ بجانبه وهو يسير معه إلى هناك و"فيصل" يتبعهما، كان يزدادُ إنكماشاً كلما اقتربوا، أحسّ به "خالد" فغير رأيه، نادى "فيصل" وطلب منه أن يبتعد به قليلاً ويشتري له أي شئ ليهدئه...
أخذ يجول بين عينيه بين الحضور، أتت سيارة الإسعاف، لقد تلاشى الرمق من ذلك الجسد...
لا زالت دافنةً رأسها، تحاول أن تتجاهل كل ما يجري، أن تعزل أذنيها عن كل الأصوات النشاز، لا تريد أن تصدق ما يجري.. "أريدُ أن أعود للبيت لأرى كل شئ كما كان، كما في السابق" أخذت تخاطب نفسها، رفعت رأسها ببطء وكأنها انتبهت لشئٍ ما، شئ نسته، شئ غاب عن ذهنها للحظات..
"أحمد..."
تطلعت إلى حيثُ الناس، إلى تلك البقعة، لقد نقلوه!!! أحست بلوعة، بغثيان، برغبة في التقيؤ، دمعتها لم تحدر بعد، لم تجد لها مرسى، لازالت تائهة، ضائعة مثلها هي....
أخذت شهيقاً بطيئاً وهي مغمضة عينيها، زفرت الهواء المحبوس في رئتيها بقوة، بقوة وهي تتقرح...أمسكت معدتها وهي تشعر بشئ حارق، يغلي بداخلها، يخنقها ويحيلها إلى هشيم...
كل هذا يحدث أمامه وهو يقف ساكناً لا يجرؤ على التقدُّم، منظرها يقطعه، يفتته إلى لاشئ..
ارتكزت بباطن كفيها على الأرض، دفعت نفسها لتنهض، وبصعوبة وقفت..
تلفتت حولها، تفرقت الجموع قليلاً واتضحت الرؤية، النساء لازلن يحطن بليلى، يحاولن أن يسكتنها وصوت عويلها يخترقُ السماء، تبكي روحاً عرجت إلى الملكوت منذُ قليل...
تريدُ أن تبكي، أن تصرخ مثلها، لكن هدوءاً عجيباً يهدرُ بداخلها، يرخي أحبالها الصوتية، يمنع حنجرتها من التعبير، الحزنُ هو من يغلفها، يطوقها بتلابيبه، يعصرها عصراً ويعطل طاقتها، لا يترك لها المجال للتفكير حتى..
نادت بهمس- هذا ما استطاعته- ليلى..أنا لا أرى أحمد، أين ذهب؟!
لكنَّ الأخيرة في خبر كان!!! لم تكن تسمعها أو تراها حتى، كانت في عالم آخر، عالم بعيد، هناك حيثُ انتُشل الجسد..
رآها تحرك شفتيها في الهواء، تخاطبُ نفسها كما لو كانت مجنونة، اقترب، لم يصبر..شئٌ أقوى منه يشده، انتبهت لخطواته فاستدارت ناحيته وهي تحملق فيه دون استيعاب، عاد فكها ليتحرك من جديد وبنفس الهمس سألت:
- أرأيت أحمد أخي؟!
منظرها الذاهل ألجمه، قطع نياط قلبه، تكلمه وكأنها من عالم آخر:
- بحثتُ عنه لكنني لم أره، ضاع مرةً أخرى.
ثم وضعت أصبعها بسرعة على فمها وكأنها تنفي:
- هو من تركني هذه المرة، لم أتركه أقسم بالله..أسأل حتى ليلى!!
حركت يديها في الهواء وهي تشير إلى "ليلى" بيأس، أردفت بإختناق:
- أكلمها منذُ مدة لكنها لا تسمعني...
…………….-
- أ..أ..أب..أبي ينتظرنا ونحنُ لم نصلي بعد!! أبي...رددتها بشرود وهي تنظر إلى البقعة من جديد.
……………..-
- لكنهُ ذهب صح؟! ذهب؟! ها أجبني؟! ذهب أم لم يذهب؟!
…………….-
- أتعتقد أنهُ سيلتقي بأمي هناك؟!
……………..-
- كلهم يذهبون أنا أعرف، كل من أحبهم يذهبون.... ردت بصوتٍ مبحوح.
وضعت يديها على رأسها وهي تهزه، لكأنها تريد أن تبعد خواطرها، تقذفها إلى حيثُ النجوم, إلى البعيد...
عادت من هذيانها، يتأملها بعجز، تبدو كورقة خريفية تقصفت عروقها للتو، فقدت ما تستندُ إليه، فتخلل فُتاتها بين الأصابع، ارتحل مع هبّات الرياح، إلى مكان آخر..أين..لا أدري!!
أردفت بلوعة وهي تأن:
- وأحمد..أين هو..ذهب أيضاً؟!
- أحمد معي، لا تخافي. أجاب بصوت أجش.
- أين؟!
- مع صديقٍ لي الآن، اهدأي قليلاً.
- لن أرتاح قبل أن أراه. "ألا تعرف أنهُ وصية من أمي، و...أبي قبل أن يرتحل".
أراد أن يعود ليرجع بأخيها، لكنّ قلبه لم يطعه أن يتركها في هذه الحالية المزرية، وقف متردداً في اتخاذ القرار ربما لأول مرة في حياته..
أخيراً أمسك بهاتفه، واتصل بفيصل طالباً منهُ أن يحضر مع الصغير..
عاد ليختلس النظر إليها، كانت واقفة بحيرة، بعودها النحيل، ورغم شحوبها إلا أنها بدت جميلة، جميلة رغم كل شئ..
حضروا، أحمد يزدادُ انكماشاً، يمشي بتردد، مدت لهُ يدها بإرتجاف وتقطعت تلك الخيوط الواهنة التي كانت تلمُّ بها نفسها المبعثرة..
الليل يزدادُ حلكة، كل شئ ساكن، ماعدا تلك النهنهات المنبعثة من تلك القلوب المفجوعة....
" وكل من عليها فان (26)ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام (27)"
تلاشوا جميعهم، ودّ "خالد" أن يلحق بها لكن "فيصل" أمسكهُ محذراً، تابع خيالها وهو يتوارى لآخرِ لحظة، قفل عائداً إلى سيارته، طلب من "فيصل" أن يتولى القيادة وهو يفكر بصمت وألم..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:19 pm

(17)
كان عزاءاً بسيطاً، لا يتجاوز عدد المعزين الأصابع، معظمهم من الجيران..أليسوا بدار غُربة!!!
لم تخرج "مريم" لأحد، اعتكفت في دارها، حتى "أمل" و "سلمى" امتنعت عن الظهور أمامهما..
تولّت "ليلى" إكمال المراسيم، لم يعد أحد هنا، لا أحد، لقد اختفى مصدر الأمان، بمن سيتظللون الآن؟!!
أرسلت لزوجها رسالة تخبره بوفاة والدها، ردّ لها رسالة تعزية ذكر فيها أنهُ سيعود بعد يومين لأنه لا يقدر أن يترك عمله الآن!!!
سمعت دق الباب، نهضت بتهالك وهي تُعيد ترتيب حجابها، ورغم أنها جعلت فرجة الباب ضيقة، إلا أنّ نور الشمس بهر عينيها فابتعدت قليلاً عن مصدر الضوء وهي تشرع في فتحه على مصراعيه.
- السلام عليكم.
رفعت رأسها بتعب وقد أثارها الصوت، ذكرها بشئٍ قديم:
- وعليكم السلام والرحمة.
- عظّم الله أجركم.
- أجرنا وأجركم.
- كيف حالك؟
- بخير.
- محمد موجود؟
هزت رأسها نفياً...ماذا تقول له؟! أتقول أنًّ "محمد" لم يحضر العزاء حتى، وكأنّ الراحل لم يكن أباه!!!!!
وقف "سلمان" بتردد، يريدُ أن يدخل وفي نفس الوقت لا يقدر، هكذا تُحتم عليه الأصول.
- أتحتاجون لشئ..أي مساعدة أنا بالخدمة..
هزت رأسها مرةً أخرى وهي تتمتم له شاكرةً، تأملها وكأنها كبرت 5 سنوات..كم عمرها الآن، آه نسيت هي تصغرني بعامين!!
- خذي رقمي، ومتى أحتجتم لشئ، أي شئ، اتصلي بي ولن أتأخر.
وقفت بتردد، أن تأخذ رقمه يعني أن تبقى على اتصال به، أن تسمع صوته من جديد، أن تراه، أن تتذكر تلك الأيام الخوالي، هي الآن متزوجة، على ذمة آخر، المفروض هو من يبقى بجانبها وليس الغريب، ولكن أين هو؟!! فضّل عمله على البقاء بجانبي..
- لحظة.
دخلت البيت لتحضر ورقة وقلم دون أن تغلق الباب خلفها، تقدم قليلاً وأطلّ برأسه حول المكان يُعاينه، عادت بسرعة وتراجع قليلاً إلى الخلف، دونت الرقم وقبل أن ينصرف قال:
- انتبهي لنفسك يا "ليلى".
- وأنت كذلك. (ردت بهمس.(
أراد أن يضيف شيئاً، لكنهُ أحجم، كرر عزائه وابتعد..تابعت خياله إلى أن ركب سيارته، سيارته (بي أم) أيضاً..يا للصدف!!
أغلقت الباب خلفها وهي تتنهد بأسى، بروح الغريق، لقت "أحمد" جالساً في الصالة، بات هذا الولد عدائياً، يثور بسرعة كعود كبريت، لا تعرف كيف تتعامل معه، وحدها "مريم" من تستطيع السيطرة عليه، يحبها كثيراً أكثر منها تعلم ذلك تماماً، هذا الشئ يضايقها أحياناً، و لكن أين هي "مريم" الآن، لا زالت حابسةً نفسها في غرفتها..
- "أحمد" ماذا تفعل، أقفل قناة الأغاني، لا يجوز..
نظر لها بإستهتار، أمسك بجهاز التحكم وهو يزيد من موجة الصوت، تطلعت إليه بدهشة، وعندما فاقت من دهشتها، سحبت منه الجهاز وهي تصيح فيه بعصبية.
- أجننت؟! لا بد أنك جُننت.
- لماذا؟
- لا يجوز.
- لماذا؟ (رفع من صوته.(
- لا يجوز وكفى.
- لمااااااااااااااااااذا؟ (صرخ بقوة وهو ينتفض في جلسته).
- لأن...لأن أبوك ميت ولم يمر عليه إلا بضعة أيام.
هدأ في مكانه وهو ينظر لها بغضب، بحقد، لا تدري لم تعرف أن تميز نظرته، ماذا حلّ به؟؟!! "تعالي يا مريم وانظري..".
وقف بقامته الصغيرة ودلف عنها إلى غرفة والده، لم يرضى أن يتركها وينام معهما، حاولت معه بشتى الطرق، حاولت أن تخيفه حتى ومع هذا أصرّ على رأيه ذلك الطفل!!!!
أرادت أن تلحق به، ولكن ما الفائدة، لن يسمع لها، هزت كتفيها بيأس وسارت لأختها، هي الأخرى انقلبت 180 درجة، ولكن من منا لا يتغير؟!!
==============
- الجامعة كريهة بدونها، مملة لا طعم لها.
- لا تحس بقيمة الشئ إلا بعد أن يغيب عنك.
- صدقتِ. ردت "أمل" بشرود.
- فاتتها العديد من المحاضرات، بالإضافة إلى الإختبارين الذين قدمناهما.
- امممم، بالنسبة للإختبارين فلديها عذر رسمي، أما بالنسبة للدروس فسأحاول تزويدها بالشرح والملاحظات.
- ألا تعلمين متى ستعود للجامعة؟
- لقد اتصلتُ بها البارحة وأخبرتني بأنها ستلتحق بنا هذا الأسبوع، تنتظر أن تنظم أختها أوقات عملها حتى تبقى إحداهن مع "أحمد" إذا غابت الأخرى.
- آآه..مسكينة، حياتهم تبدو صعبة هكذا.
- الحمدُ لله على كل حال، هذا ما كُتب لهم.
- ونعم بالله.
دخل "الدكتور" فصمت الجميع، توقفت "أمل" هي الأخرى عن الكلام ولكن ليس بسبب دخوله هو، ولكن للسائر خلفه وهو يرمقها بإبتسامة ود وأكثر....
أطرقت بخجل، وقلبها يكاد يقفز بين جوانحها، تابعته بعينيها إلى أن سار إلى مقعده بالخلف، انتبهت لها "سلمى"، لكزتها بذراعها وهي تهمس:
- إلى ما تنظرين؟! لقد بدأت المحاضرة.
اعتدلت في جلستها، لكنها لم تفهم شيئاً من المحاضرة، كان عقلها شارداً، يحلق في أجواء الصف، مع ذلك الجالس بالخلف، متى سينطق متى؟!!!
===========
دارت حول الصالة بتوتر، أخذت تقرأ عقارب الساعة كل حين، بات يتأخر كثيراً عن السابق، بل أصبح يحدد لها موعداً كما لو كانت تعمل لديه والمصيبة أنه لا يحضر أيضاً!!!!
لم تعد تراه إلا بالمكتب صباحاً ويكون حينها مشغولاً بإجتماعاته التي لا تنتهي، وحين تدق الواحدة ظهراً تعود للمنزل حتى تتكفل بأحمد أثناء عودته من المدرسة..
الحياة باتت صعبة، صعبة وقاسية جداً بعد أن ذهب والدهم، كل شئ تغير، جدول حياتها بأكمله تغير!!!
فتح الباب وأطلّ بوجهه العابس، لم يعد حتى يصطنع الابتسامة في وجهها!!! شبكت ذراعيها وهي تخاطبه بسخرية:
- كم أنت دقيق في مواعيدك!!
لم يُجب، ألقى بشماغه وتهالك على أقرب كرسي....
تقدمت منه بغيظ، تخاطبه وكأنهُ لا يسمع، لا يختلف عن الجدار في شئ...
- إلى متى سيستمر الأمر بيننا هكذا؟
- أيُّ أمرٍ تعنين؟ (سألها ببرود وهو يفتح نصف عينيه.(
- زواجنا إلى متى سيظلُّ بالسر.
- قلتُ لكِ اصبري إلى أن تتحسن ظروفي.
- وإلى متى سأنتظر هذه الظروف لتتحسن..ماذا تنتظر؟! أتخشى أن تُصارح زوجتك بأنك تزوجت سكرتيرتك، إذا كنت خائفاً أعطني رقمها وسأخبرها بذلك.
فزّ من مكانه وكأنّ أفعى لسعته، صاح فيها بغضب:
- لا دخل لكِ بزوجتي وأطفالي، أتفهمين..
- أنا أيضاً زوجتك، أم نسيت أيها المدير المحترم؟
ضرب كفاً بكف وهو يتعوذ من الشيطان الرجيم، من قال أنَّ النساء بلوى؟!!
- أنا لم أنسى ذلك قط، ولكن قدّري ظروفي فقط، امهليني وقتاً إضافياً.
عادت لتتحرك في القاعة بعصبية تخاطبُ الكل وتلتفت إلى اللا أحد!!! صاحت فيه:
- أنا لم أعد أتحمل، لا أقدر أن آتي هنا كالسابق أو أتأخر على البيت، هم بحاجة ماسة لي ونحنُ فتيات لوحدنا، وإذا رجعت إحدانا متأخرة بدأت الألسنة تلوكُ في سيرتنا، تعبتُ من هذه الحياة..تعبت.
"أتزوجت كي أتعذب!!"
وانخرطت في بكاءٍ مرير وهي تصفع على وجهها، حاول تهدأتها ولكن دون جدوى، أخذ يخاطب نفسه بضيق "أيُّ مصيبةٍ أوقعت نفسك بها يا أبو محمد؟؟!!"
=====================
" ماذا تفعل الآن يا تُرى؟!"
ليت بإمكاني أن أراها، أن أرى ما تفعله، ألا زالت تبكي أم نسيت؟! يا لي من أحمق، كيف تنسى؟؟هذا أبوها..
خرج من غرفته وهو يشعر بالإختناق، بالحيرة، مرّ أمام غرفة أخته، توقف برهة، مدّ يده ليخدش بابه لكنهُ أحجم..ماذا تريد منها؟! ماذا ستقول لها: كيف حال صديقتك!!! وما شأنك أنت!! هكذا ستردُّ عليك..
يكفي يا "خالد" تماسك، أتُريد أن تكون أضحوكة أمام أختك الصغرى، تلمزك وتفقد هيبتك..كلا كلا، لا ينقصني إلا الأطفال لأفشي لهم بسري..
أيُّ سرّ، ماذا تقول؟!
ها بتّ تهذي من جديد، جعلتك تهذي، كل ما أنا فيه بسببها، كيف يقلب شخص ما حياتك برمتها، يغير جزيئاتها ويكسر روتينها، تنتظر لمسته السحرية لتعيدك إلى صوابك، إلى اتزانك، إلى "خالد" الحقيقي..
عُدت لأهذي من جديد..
دع ذكرهنّ فما لهنّ وفاءُ..
روح الصبا وعهودنّ سواءُ..
يكسرن قلبك ولا يجبرنه...
وقلوبهنّ من الدواءِ خلاءُ!!!
اسمع يا "خالد" جيداً، مفاتيح "فيصل" اللعينة باتت قريبة من متناول يدك الآن، قاب قوسين أو أدنى، انتظر اللحظة المناسبة وسينتهي الأمر!! ستنساها هذا مؤكد، من هي أصلاً كي تفكر فيها، ولكن.........
والتفت إلى المار بجانبه وكأنهُ يمر على شبح، لا تحية..لا سلام..ولا تعبير حتى!!!
قال بإستهزاء مشوب بالغيظ:
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته!!!
توقف "راشد" برهة، لم يجب ثمّ شرع بالتحرك من جديد:
- أحادثك، فلا تُدر لي ظهرك.
- نعم، ماذا تُريد؟ سأل ببرود.
- حالك هذه الأيام لا يعجبني..
- أعملت محللاً نفسياً أيضاً.
- أكلُّ هذا من أجلها؟! لأنني سآخذها؟!
وهزّ رأسه وهو يتظاهر بالأسف، كان يريد أن يغيظه، يحرق قلبه، لماذا؟! لأنهُ يحترق أيضاً، نارٌ مشبوبة تتراقص بإستهتار في جوفه، تحيله إلى رماد!!! يا لساديتك يا "خالد" يا لساديتك!!!
نظر لهُ "راشد" بثبات هذه المرة، وعضلة صغيرة تنبض بوضوح أسفل فمه، لو كانت العيون تُحرِق لاحترق "خالد" في مكانه منذ زمن!!
- لقد تأخرتُ عن عملي، مع السلامة.
وابتعد، انفكّ رباط حذائه، فعاد ليربطه من جديد بيدٍ مرتعشة، يدٍ ضعيفة لا تقوى على دفع الأذى لا عن نفسها ولا عن من تحب..
تابعهُ "خالد" وهو مستغرب من نفسه، لم هو هكذا...لم يعاملهم بهذه الطريقة؟! كثيراً ما سأل نفسه هذا السؤال ولكن دون أن يحصل على إجابة شافية، عاد لينظر لباب غرفة أخته وهو يغمغم بشرود:
"لتعرف سبب المصائب كلها..فتش عن المرأة وستعرف!!!!"
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:19 pm

(18)
عادت لمقاعد الدراسة من جديد، أسبوعان لم تطأ قدماها فيها الجامعة، فاتها الكثير من الدروس في الأيام الخالية...
التقت ب"سلمى" و"أمل" في الكافتيريا، أخذنها بالأحضان، كان الإلتقاء بهم من جديد شيئاً رائعاً، أشعرها بالدفئ وإن شابته ذكرى مريرة...
تحدثن في كل شئ ولا شئ!! كانت تتخلل أحاديثهن لحظات صمت من جانب "مريم"، وكنّ يحترمنها، لحظات الخواء من منّا لم يمر بها؟!!
أرادت "سلمى" أن تلطف الجو الكئيب، أخذت تعبث بأزرار هاتفها، أشرق وجهها وهي تقول:
- أسمعتما بآخر نكتة؟
- كلا. ردت "أمل" بحماس، واكتفت "مريم" بالنظر إليها بإبتسام.
- إذن اسمعن: محشش منسدح على الأرض ليش؟؟؟ مكتوب على اللوحه ممنوع الوقوف!!!
وانفجرت "سلمى" ضاحكةً (نكتة سخيفة)، أما "أمل" فقد نكست رأسها وكأنها لم تسمع، حركت "مريم" مقعدها بحرج وقد بهت لونها، تطلعت لها "سلمى" بتعجب والضحكة لا زالت عالقة على شفتيها:
- ماذا؟ أين ستذهبين؟
ردت بغصة:
- سأذهب إلى المكتبة، تنقصني بعض المراجع..
وسارت عنهما، حينها التفتت لها "أمل" بغضب:
- هل أنتِ حمقاء؟!
- ماذا..ماذا فعلت؟! سألت بقلق.
- أهذه نكتة تُقال؟!
- وماذا بها؟!!
تطلعت فيها بحنق ولم ترد عليها، هي لا تعلم بشئ وليس هناك ضرورة لأن تخبرها..
"من ستر مسلماً سترهُ الله يوم يلقاه"...
تساءلت "سلمى" في نفسها:
"يا ترى فيما أخطأت أنا؟!!"
لم تذهب "مريم" إلى المكتبة، كانت تسير دون هدى، تشعر بالضيق، لم تكن غاضبةً من "سلمى"، تعرف أنها قالتها ببراءة وأنها ستأتي لتعتذر منها بعد قليل دون أن تدري لم تعتذر؟!
"نحنُ لا نزرع الشوك"......
وأنا ولدتُ والأشواك مزروعة في جبهتي، تمنعني من أن أرفع هامتي عالياً لأحلق حيثُ الغيوم، إنها لا تلبث إلا أن تجبرني على الإنحناء صاغرةً بالرغم من أنني لم أزرع الشوك، لم أزرعه، أتفهموني....
===========
رنّ هاتف المنزل، كانت جالسة في الصالة، تُراقب "أحمد" وهو يشاهد التلفاز، لم تشأ أن تقوم، كانت تشعر بالتعب، لكنّ الرنين اللعين لم يتوقف!! نهضت وهي ترفع السماعة ، ردت بصوتٍ بائس:
- آلو.
- السلام عليكم.
- وعليكم السلام والرحمة.
- ليلى؟!
- نعم.
- هذا أنا "سلمان".
- أعرف..
تلتها فترة صمت، أخذ نفساً عميقاً ثم أكمل:
- ليلى...
- نعم.
- أعلم أنّ مثل هذه المواضيع لا تصلح أن تُقال في الهاتف ولكني لا أملك الجرأة لأن أقولها أمامك وجهاً لوجه..
…………..-
- ليلى أنا...أنا سأعود إلى البحرين بعد يومين، انتهى عقدي كما أخبرتك و...
………….-
- ليلى أنتِ معي؟!
هزت رأسها إيجاباً لكأنهُ يراها!! كانت خائفة من الكلمات القادمة، تترقبها بلهفة و....
- ليلى، أريدُ أن أعود إلى البلاد ونحنُ متزوجان..
تلمست المقعد بيدها بإرتجاف، الدنيا أضحوكة، أضحوكة سقيمة، أضحوكة تُثير اشمئزازك، تسبب لك السقم..لماذا الآن، لماذا؟! أتريد أن تقلب بقية حياتي حسرات؟! كنتُ سأرضى بهمي، بشقائي، كنتُ قانعة بالتعاسة مع ذاك، لم جأت الآن، لم؟!!!
ليتك جأت من قبل، منذُ بضعة شهور..الآن لا ينفع، لاشئ ينفع، لاشئ..
- أعلم بأنّ الوقت قد يكون غير ملائماً، ولكن ظروفي تحتم عليّ ذلك.
"يالله، كلهم عندهم ظروف!!! كلهم يطلبون منكِ أن تتحمليها، أليسوا كلهم متشابهين؟!! لحظة، هذا ظروفه تختلف عن الآخر!!!"
- ليلى تعرفين أنني أحبك، وأنني لم أكف يوماً عن التفكير بك، والدكِ (يرحمه الله) كان محقاً في رفضي حينها، ولكنني الآن تغيرت، أقسمُ لكِ بذلك.
- ليلى أنا....
"يكفي، أرجوك يكفي".
- سلمان أنا لا أقدر أن أوافق.
- لم، لقد تغيرت صدقيني.
- ليس الأمرُ هكذا.
- إذن؟
"لأنني متزوجة، متزوجة".
- لا أقدر أن أترك أخوتي.
- سنأخذهم معنا، كلنا سنعود إلى الوطن، وتأكدي أنني لن أقصر تجاههم أبداً.
"أترك لي باباً واحداً، فُرجةً على الأقل لأرفضك".
- أنا...
- أرجوكِ لا تتسرعي، لا تحكمي على مصيرنا منذُ الآن، فكري جيداً وسأعاودُ الاتصال بكِ غداً.
"مصيري حُدد منذُ زمن يا سلمان، حُكم عليّ بالإعدام، أتهاوى كخيوط دمية واهنة معلقة بين السماء والأرض"....
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:20 pm

أغلقت السماعة وقلبها يهوي ببطء إلى الأعماق، أحست بالدوار، غرست أصابعها بين خصلات شعرها الأحمر، ضغطت بقوة على رأسها، يكادُ أن ينفجر..
غريبة، غريبة، غريبة!!!! رددت.
كان "أبو محمد" فرصةً، وكنتُ أخشى أن تمر مر السحاب، وها باتت سحابة مبلدة، تأنُ من وطأ ثقلها، توشك على السقوط من علو، تذهب سحابة وتأتي سحابة، نأمل في السالفة ونبكي على التالفة!!
لمَ يتسرع الإنسان في اتخاذ قراراته، أ لأنهُ لا يعرف ما يخبأه له القدر؟! دائماً يخاف، دائماً يتردد، هل الإنسان مخيّر أم مسيّر؟! هل كل قراراتنا لنا يدُّ فيها، أم أنها كانت مكتوبة أصلاً في اللوح المحفوظ منذُ الأزل؟!!
في بدايتي....نهايتي، أم في نهايتي بدايتي، لا أعرف، لم أعد أعرف شيئاً، كل شئ سراب، كل شئ كذبة، الحياة بأكملها كذبة، ولكن من منّا لا يصدقها، من منا لا يتعلق بها بأهداب عينيه....
فُتح الباب، وأطلت "مريم" عائدةً، لقد انتهت مهمتها الآن، نهضت من مكانها وهي تشعر بالتعب يجتاحها، أوصدت باب الغرفة خلفها، تصفقه بقوة، لعلّ صدى صوته يُعيدها إلى صوابها، ليرتب خطوط حياتها المتشابكة كبيت العنكبوت..
"- مريوووم".
- نعم.
قام من أمام التلفاز واقترب منها، شدّ طرف عباءتها وهو يقول:
- لقد طلبت منّا المعلمة أن نشتري قطعة قماش جوخ وكرة بلاستيكية وصمغ اممم لا أذكر اسمه، كي نصنع دمية..
- متى؟!
- غداً لحصة الرسم.
فكرت قليلاً ثم ردت عليه بإبتسام:
- لا بأس، سنذهب عصراً لنشتري.
لم يعلق، وعاد ليجلس من جديد أمام التلفاز، تأملته، كيف تغير هكذا؟! أين مرحه..أين شقاوته التي طالما دوختها؟! لم يعد يصر على شئ، إما غاضباً أو....صامتاً!!!!!
حملت كتبها ودلفت لغرفتها هي الأخرى، لقت أختها جالسة أمام الحاسوب بشرود، ألقت عليها التحية، ردت عليها دون انتباه.
"- ليلى".
- نعم.
…….-
صمتت و قد تغير وجهها، وحين طال صمتها رفعت ليلى رأسها مستفهمةً:
- نعم، ماذا تريدين؟
- أريدُ بعض المال، ليس لي وإنما لأشتري لأحمد بعض اللوازم المدرسية.
- ولم تقولينها هكذا؟
- وكيف أقولها؟!
- لستِ بحاجة لأن تبرري طلبك.
ونهضت لتخرج أوراقاً نقدية من حقيبتها، لا زالوا في منتصف الشهر ورصيدها من نقود العمل بدأت تنفد، لا بد أن تطلب من "أبو محمد" مبلغاً إضافياً...لو كان أبوها يعمل موظفاً في الحكومة للبّى معاش وفاته احتياجاتهم.!!
أمسكت يد أختها ونقدتهم إياها ، قبضت "مريم" على تلك الحفنة من الأوراق وهي تشعر بالذّل، تشعر كما لو كانت تشحذ فعلاً، بالرغم أنّ النقود ليست من غريب بل من أختها..
تطلعت إلى السقف، ودت لو تخترقه، همست إلى ذلك البعيد، هناك في السماء، أتُراه يسمعها الآن!!
"رحمك الله يا والدي".
هزت رأسها، ودلفت لتغير ملابسها، لتريح نفسها من عناء يوم طويل لا نهاية له.....
دقت الساعة الرابعة، دلفت لغرفة والدها أم تقول غرفة "أحمد" الآن، دقت الباب تنتظر الإذن بالدخول، تنتظر أن يقول لها بصوته المتعب: تفضلي.
لكن لا إجابة، لقد خرس للأبد أليس كذلك؟! حركت إكرة الباب بخفة، كان يدثرُّ نفسه باللحاف، وقد بدا كنقطة صغيرة تائهة على هذا الفراش الوثير، انتبه لها لكنه لم يعدل من جلسته.
"- أحمد" قم لنشتري.
- لا أريد..أريدُ أن أنام.
- ماذا بك؟هل أنت مريض؟!
واقتربت منه بقلق وهي تضع باطن كفها على جبهته لتتحسس حراراتها، كانت الحرارة طبيعية.. أبعد يدها وهو يدفن وجهه في الوسادة بضيق..
تفاجأت من حركته، لمت يدها إلى صدرها وهي تنظر له بعتاب، كادت وسادته أن تخنقه من ضغطه المتزايد عليها، خرجت من غرفته، حينها ترك لدموعه العنان، شفافة هي بلون النجوم، وثقيلة كأنها تزن أطنان!!!
قلب وجهه على الوسادة، ليعبّ في صدره الهواء، تطلع إلى الباب حيث خرجت، صاح بهمس:
"- مريووووووووم"!!!!
خرجت إلى الشارع، والأفكار تتقاذفها من كل حدبٍ وندب، أقشعر جسدها حين لامس تيار هواء بارد مرّ ناحيتها..
أسرعت في خطاها و دخلت المحل بسكون، تحاول أن تتذكر ما طلبهُ منها....
ورأته!!!
تعتقدون من؟!!
أحمد؟!
كلا..ليس هو..
بل ذاك، ذاك الواقف هناك والساكن هنا، بين الضلوع...
كان واقفاً لوحده يشتري مثلها.....
مشت إلى الوراء بحذر، آخر شئ تريده هو أن يراها، ستحاول أن تنساه، أن تتشبث بأمل موؤد هو حلمُ الغرقى، حلمُ الحمقى، أمل الضعفاء وهي ليست بضعيفة...
لا زال في مرمى بصرها وإن تماهت صورته خلال المشتريات، دارت وقلبها يرجف، أغمضت عينيها، عصرتهما بقوة لعلها تطرد صورته من ذهنها، تقتلعه من صدرها إن استطاعت...
ورغم أنها لا تتغطى، إلا أنها أسدلت ذيل خمارها على وجهها، هكذا أفضل...تمتمت في نفسها.
اشترت كل المستلزمات بسرعة، نست أشياء وأخذت أشياء، لكن كل هذا لا يهم، المهم أن تخرج من هذا المكان، ومن كل مكان يتواجد فيه.....
دفعت وهي تلتفت حولها لتتأكد، لقد ذهب ولكن ليس مع الريح!!! يا رب احفظه أينما سار....
أزاحت طرف الخمار عن وجهها، أمسكت الكيس بيدها ومحتوياته ترتجُّ مع كل حركة من حركات جسمها الخافقة..
خرجت من المحل، تسبقها لوعة، لم تنهال عليك السهام من كل جانب؟! قدماها تتحركان بضعف، بخفي حنين..
- تهربين مرةً أخرى!!!
شهقت في مكانها للصوت القادم خلفها، أفي حلمٍ هي أم حقيقة!!
- أتعتقدين أنني لم أرك..
لازالت موجهةً ظهرها إليه بذهول، وقد سقطت ظلاله عليها، ظلاله تؤكد وجوده..هي إذن ليست في حلم.....
أرادت أن تسدل عليها الخمار من جديد، انتبه لحركتها، دار حولها وهو يوقفها بترجي:
- أرجوكِ، تغطي عن الكل إلا أنا.
أعادت يدها اليُمنى إلى مكانها بإرتجاف، تأملها وهي مطرقة بحيرة، كأنهُ يراها أول مرة، شعرت بأنّ نظراته تخترقها، تفضحها، تكشف سرها، رفعت رأسها فجأة.....
وتعطلت لغةُ الكلام فخاطبت
عيناي في لغةِ الهوى عيناكِ
لا أمسى من عمر الزمانِ ولا غدا
جمعُ الزمانِ فكان يوم لقاكِ....
(أمير الشعراء(
أطرقت من جديد، ارتجفت أهدابها، أنتِ تتوهمين، تتخيلين أشياء لم يقلها، عيناهُ كاذبتان مثله!!!
أتاها صوته متسائلاً، مليئاً باللوم، بالعتاب:
- عمن كنتِ تختبئين؟! عني؟!
- ولم أختبئ!! ....سألته بهمس وهي تطلب من قلبها أن يخفف من وقع ضرباته، تخشى أن يسمعها ذلك الواقف أمامها عن كثب.
- أنتِ من تملكين الإجابة..
……………………..-
- تخافين من الاعتراف بالحقيقة؟!
أيُّ حقيقة تعني؟! حقيقتي أعرفها وبتُّ أخاف منها، أما الحقيقة الوحيدة التي أعرفها عنك هي أنك ستتزوج..ولكن متى؟! أرجوك أخبرني قبلها كي أحيك ثوب حدادي!!
هزت رأسها بإنكسار، وشرعت في إكمال طريقها، دار حولها من جديد مانعاً إياها من السير..
تأملته الآن عن كثب، بدا نحيلاً، وقد نبت زغبٌ خفيف أسفل ذقنه، حول عينيه ارتسمت دوائر نشرت ظلالها السوداء، أيُجافيه النوم هو كذلك؟!
عيناه مسهدتان، ما عدا ذلك البريق الذي يومض، يبعث فيهما حياةً أخرى.
"يكفي، لا تحلمي أكثر، أحلامنا هي من تغتالنا، تُعطينا السراب!!"
مرر يده في شعره بجهد وهو يقول:
- أنا تعبت، ألم تتعبي أنتِ أيضاً؟!
- تعبتُ من ماذا؟! ...صاحت بإنفعال. "أنا من تعبت، لقد أتعبتني، جرحتني في صدري وبتُّ أنوء بآلامي لوحدي، وحدي فقط".
- من اللعب في حلقةٍ مفرغة. (أجاب بعصبية.(
- أنا لم أفعل شيئاً!! (قالتها وهي تُدير وجهها للجانب الآخر).
- تريدين أن أتقدم لخطبتك..أهذا ما تريدينه؟! (سألها وغضبٌ يتجمعُ بين عينيه من لا مبالاتها).
سقط الكيس من يدها، تناثرت محتوياته وسط دهشتها، هبت الريح عاصفةً ناحيتهما، تحاول أن تستوعب ما قاله، انتبهت لنفسها وهي تطيل النظر فيه دون تصديق، جثت على الأرض بمهل تحاول أن تلتقط الأشياء، يدها ترتجف، لا تقوى على مسك شئ، حذا حذوها، ألتقطها في ثوانٍ وأعاد وضعها في الكيس، مدّهُ لها، تناولته بآلية، استطال في وقفته أماّ هي فلا زالت جاثية.
- أهذا ما تريدينه؟! (كرر سؤاله، ورغبة بالتشفي تسيطر عليه.(
لم ترفع رأسها، لم تشأ أن تراه من علو، أليست هذه هي المسافة الحقيقة الواضحة بينهما!!!
- أنا لا أريدُ شيئاً منك. (ردت بإختناق.(
"يا لسؤاله الأحمق!! ماذا يريدني أن أقول؟! ثم ألن يتزوج بابنة عمه، قل لي أنت أي لعبة تريد أن تلعبها علي؟!"
لم يُبالي بما قالته، أكمل وكأنهُ يخاطب نفسه، يُخاطبُ الشخص الذي بداخله وليس هي:
- أتعتقدين إن مثلي قد يتقدم لخطبتك يوماً؟!
…………………………………-
- أو أننا سننجح معاً، رغم كل التباين الذي بيننا؟!!
…………………………………-
- أو.....
قاطعته وهي ترفع رأسها غاضبةً:
- يكفيييي، أنت شخص مريض، أتعرف بمَ، مريض بمرض الغرور، بمرض العظمة، تعتقد أنّ ما سواك لا شئ وكأنك الشئ الوحيد في هذه الدنيا...اسمع لو كنت آخر رجل في الدنيا ما أخذتك!!!!
قست ملامحه، بدا شكلهُ المتوفز مخيفاً تلك اللحظة، لكنها استعادت رباطة جأشها، ماذا يستطيع أن يفعل؟!
- إذن هذا رأيكِ بي، أني إنسان مريض؟!
- أجل. (ردت بصوتٍ عالٍ لتخفي ارتجاف أحبالها الصوتية.(
- ولو كنتُ آخر رجل ما أخذتِه؟!
- أجل. (عادت لترد بهمس.(
- أهذا كل ما لديكِ لتقوليه؟!
- أجل. (كانت ستبكي حينها.(
تنحى عن طريقها، فاستنهضت نفسها بثاقل..الضغط الذي مارسه عليها كان أقوى منها، كلماته كالطلقات تخترقها بلا رحمة..
بديا متساويان الآن تلك اللحظة.....
- اسمعي..
توقفت، تُراقب التحول المفاجئ في شخصه، أردف ببرود والفجوة بينهما تتسع، تتسع كحلقة مفرغة!!
- أعطيتك فرصة والفرص تأتي مرة واحدة، وتمر مرّ السحاب..اذكري هذا جيداً...
" ها نحنُ عدنا إلى الفرص والسحاب من جديد!!!"
نظرت إليه لثانيتين وأكملت طريقها وغصة جديدة تعلق بحلقها، لن تفهمه أبداً..لن تفهمه....
أما هو فقد انتظر إلى أن غاب طيفها تماماً، حينها هزّ كتفيه وأكمل طريقه هو الآخر......
===============
لم يسكت الهاتف عن الرنين، لكأنه يعلن احتجاجه بقوة، يستصرخ تلك الجالسة بصمت، تلك الواضعة يديها أسفل ذقنها بتفكير، فتحت عينيها بإضطراب وهي تلعن في سرها من اخترع الهواتف!!!
بماذا أردُّ عليه أجيبوني!!!
جرّت نفسها وهي تصيغ السمع للكلمات التي تسري بحنو موجع في سلك الهاتف.
- ها ماذا قلتِ؟ تساءل بلهفة.
- اعذرني، لا أقدر أن أوافق. ردت بألم.
- لمَ؟!
- ظروف!!!!
"لديّ أنا ظروف مثلكم!!"
- لأنني كنتُ مدمناً قوليها. علق بإنكسار.
- كلا كلا، ليس لهذا السبب. ردت بسرعة.
- إذن؟!
- أخوتي بحاجة لي الآن، لا أستطيع مفارقتهم.
- سنأخذهم معنا، وسأرعاهم كما لو كانوا أخوتي بالضبط.
"أيُّ قلبٍ حنونٍ تحمل بين جناحيك".
- الوقت ليس مناسباً الآن.
- بإمكاني أن أنتظر. قال وهو يتشبث ببصيص أمل، يرجوها بصمت، بصمت الغريق..
………………………-
"لا أستطيع لا اليوم ولا غداً ولا حتى بقبري!!"
- أرجوك..أرجوك لا تضغط عليّ أكثر. ردت بتقطع.
- سأعود غداً إلى البحرين و....
- بالسلامة...سلم لي على أهلها. قالت والشوق يأخذها إلى هناك، تتجاوز كل المسافات، حيثُ مدينتهم، حيث بيتهم الصغير...
أردف بأمل:
- وربما أعودُ هنا مرةً أخرى..
………………………-
- ليلى؟
- نعم.
- سأظل أنتظرك...
أغلقت السماعة دون أن تسمع المزيد، كان جسدها يهتز بعنف، أسندت نفسها على الجدار، تنظر للمكان بعينين غشيتهما دموع، دموع القهر، دموع الندم، دموع السحاب!!!
"آآآآآه، يا آهةً في القلب عودي، عودي، يكفي ندم، يكفي ألم، يكفي عذاب، يكفييييي!!"
ضغطت بخدها على الجدار تبلله، تلهبُه بأنفاسها الحارة، تكويه بسياط نارها، شهقاتها ترتفع شيئاً فشيئاً، عضت على شفتيها بقوة لتكتم صرخاتها النابعة من الأعماق، تحس بطعم الدم دافئاً يختلط بريقها ويشعرها بالخدر، يا ليتها تبقى هكذا طوال العمر....
اتحدت مع الجدار تلك اللحظة، كانت تطوقه بجسدها المهتز، طافت كل الصور أمام عينيها، أطياف الأمس كلُّ الأمس تتراقص بخفة، بتوهج، حين كانت طفلة سعيدة مع أمها وأبيها..أيُّ سعادةٍ بعد هذه تأتي؟!
عادت الصور لتومض من جديد، تلاشت الألوان، ولم يبقى إلا اللونين الأبيض والأسود...
ها هي مراهقة، حقيبتها المدرسية تتهادى معها وهي تجرُّ الخطى إلى المنزل مسرعةً، ففي هذا الوقت يعود محمد مع سلمان من المدرسة الثانوية، وهي تريد أن تراه، كان حبها الأول، أول حروف الحب صاغتها من أجله، لم تظهر فيها موهبة كتابة الخواطر إلا بعد أن تتلمذت على يديه، في مدرسة حبه...أعلم أنهُ كان حب مراهقة، لكنه يبقى حباً وكفى...
ويعصفُ بهم الزمن، ويا لعواصفه، تدمرك، تشتتك، تذروك كالرماد وتقتلعك من جذورك، فتتساقط الأوراق، تنسابُ ببطء، ببطءٍ مميت، بدءاً من الأم مروراً بمحمد وانتهاءاً بمن؟! بأبي!!! ها قد اختلّ الميزان، تحطمت أعمدة البيت، أين المستقر، أين؟!
ولازالت الدوامة في استمرار، تأبى أن توقف حركتها المجنونة، أينما وجهت وجهك صفعتك، فلم تعد ترى أمامك ولا خلفك، هكذا تائه، والأمواج تتلاطم، تستمر في نحتها لقدرك والعنكبوت لا تلبث أن تخيط خيوطها بوهن، بوهنٍ شديد..
وتوقفت الصور، تعطلت الآلة، بات المنظر أسوداً كطيلسان امرأة، ها هي صورة "أبو محمد" تكبر وتكبر لتُغطي على الصور كلها، تبصم عليها بالعشر، ويسيل الحبر غامقاً، لزجاً، لا تكفيه كل قطّارات العالم!!!!
انتزعت نفسها غصباً، فتساقطت الصور الواحدة تلو الأخرى، ماعدا صورة "أبو محمد"، أخذت تتكسر شيئاً فشيئاً وصدى فتاتها يرنُّ في أذنيها كطبول مجنونة...
باقي على الزمن ساعة، أقل من ساعة.....
عزمٌ جديد يتجسّد في عينيها، في صدرها شحنات غضب، آن لها أن تفرغها، لكل شئ حد، وبدون حدود لا تستقيم الحياة...
ارتدت عباءتها، ستقابله اليوم، لا بد أن تحسم الموضوع، ستحاول معه بكل الطرق، وكل الطرق تؤدي إلى روما..أليس كذلك؟!!
===========
كان يتحدث كثيراً، في أشياء كثيرة دون أن يفقه منهُ شيئاً، كان غارقاً في لجةٍ عميقة من الحزن، من اليأس...
"مريض، قالت عني مريض!!"
وضحك بألم، التفت له "فيصل" بتعجب، لكنهُ لم يبالي، لازال مستمراً في الحديث مع نفسه، يسترجع حروفها عن ظهر قلب، كلا لم تكن حروفاً كانت طعنات، رصاصات طائشة في القلب الأعمى.....
اقترب منه "فيصل" لمس كتفه فالتفت له، سطور الحزن وجدت طريقها في حنايا بشرته، حفرت في مرآة وجهه كلمات!! أخ ما أقسى الكلمات...
- ما بك؟!
هزّ رأسه وهو يزفر من الأعماق:
- تلك المجنونة..طالبة علم النفس، تقول عني مريض!!
- أيّ مجنونة؟!
- من غيرها تلك المشاكسة..
ضحك "فيصل" ملئ فمه و"خالد" ينظر له بتهديد، جلس بجانبه طالباً منه أن يحكي له ما جرى، استمع بإنصات في بادئ الأمر، ثم ما لبث أن أنفجر ضاحكاً من جديد وعيناه تدمعان:
- قالت عنك مريض!!هههههه..لقد صدقت فيما قالت.
- ماذا؟! (تساءل بغضب.(
- نعم مريض ومجنون أيضاً.
- لالالا هذا كثير.
- وهل يوجد رجل عاقل في الدنيا يسأل فتاة أتريدين أن أخطبك؟!
وقف "خالد" وهو يشبك يديه بعصبية:
- كنتُ أريد أن أعرف ردة فعلها، أن أحرجها ربما..لا أدري..
- لماذا لا تقلها بصراحة، لا يوجد أحد غريب هنا بيننا لتخجل منه.
- أقولُ ماذا؟
- تقول أنك تحبها.
- مثلي لا يحبُّ مثلها. (ردّ بأنفة.(
- عدنا للأنف المرفوع.
- أنا شخص واقعي.
- ومادمت واقعياً هكذا أتركها وشأنها، لا تشغل نفسك بها.
- ليس قبل أن أشفي غليلي منها، لكن لا أعرف كيف...
- تزوجها.
- أتزوجها؟!
هزّ رأسهُ بالإيجاب وهو يدرك أن كل الأعذار الذي ذكرها صديقه واهية، يعرفه تماماً، مهما كابر وأنكر....
- قالت لي لو كنت آخر رجل في الدنيا ما أخذتك.
- لا عليك منها، كلهن يقلن هكذا، إذا قلن لك لا، فهذا يعني نعم، أسألني أنا..أسأل مجرب ولا تسأل طبيب...
قلب الفكرة في ذهنه، كلماتها تطفو أمامه، تعلو كل حين، والصورة لا تكتمل....
أتدرون ما قال؟!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
وكيف لي أن أعرف!!! لم أكن هناك ...
=================
وتشابكت خيوط العنكبوت بوهن...
وبدا اليوم طويلاً طويلاً لا نهاية له..
ولم يتبق من الزمن إلا ساعة، ساعة واحدة فقط!!!!
الخيوط تذوي....
والرياح في الخارج تعوي كذئابٍ مجنونة!!!!
وبدأت حبات العقد تنفرط......
أحداث خطيرة تنتظر أبطالنا في الجزء القادم فانتظروني ...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:21 pm

(19)
ارتفع صوتها حدةً:
- وماذا لو حبلت؟!
- ألم أوصك بتناول حبوب منع الحمل بإنتظام.
- أخاف أن أشربها الآن، سمعت أنها تسبب العقم.
- من قال لكِ هذه السخافات؟!
- كلهم يقولون ذلك، الناس..التلفاز..المجلات.
- كل هذه ترهات.
- أنت لا تهمك إلا نفسك، أما أنا فلا، لا يهمك إن أصابني مكروه..
………………………………..-
- ما بالك لا تجيب؟!
- أنتِ لا ينفع معكِ الكلام أبداً، مهما فعلت لا تقدّرين.
- قل لي شيئاً واحداً، شيئاً واحداً فقط فعلتهُ من أجلي.
- يكفي أني تزوجتك.
شهقت بإنفعال وهي تضرب على صدرها:
- وهل أنا من طلبتُ منك ذلك، أم أنت من جريت خلفي؟! وعدتني بالحياة اللائقة وها أنت تحنث بوعدك.
- طيب..أنا كاذب، ماذا ستفعلين؟!
نظرت له بإشمئزاز وهي تقول بتهديد:
- أنا لن أفعل شيئاً، بل أنت من ستفعل..
- ماذا تعنين؟!
- تخبر زوجتك وتسير الأمور بيننا بشكل رسمي.
- صه، قلتُ لكِ لا تكرري هذا الكلام مرةً أخرى.
أردفت دون أن تعبأ بصراخه:
- وإن لم تخبرها أنت سأذهب إليها مباشرة..في قعر دارك والآن..
اسودّ وجهه فجأة، وبرزت عيناه فبدوتا أكثر جحوظاً، أمسكها من ذراعها بعنف وهو يلويها، صرخت بقوة، لكن ذلك لم يثنه، لازال مستمراً في الضغط وهو يصرّ على أسنانه:
- لا ينقصني إلا واحدة مثلك لتفسد عليّ بيتي.
كانت تصرخ، بل تتحطم، كفتات الحلم، كفتات صورته......
- وليكن بعلمك، زواجي بك لن أعترف به أبداً، أتسمعين؟
أفلتها، فسقطت على الأرض والوجع قد أخذ منها كل مأخذ، صرت على نفسها و هي تحاول أن توقف نفسها من جديد ولكن بجسدٍ خائر، قالت بتقطع:
- لديّ..لديّ نسخة من العقد، أم نسيت؟!
- ماذا ستفعلين به، ستعطينه لوالدك في قبره أم لأخيك كي يستنشق على حروفه الكوكايين!!!!!
وقفت تماماً، وكلماته تقوضها، تجعلها تترنح، وخيوط العنكبوت تحيك خيوطها على الأنقاض، بوهن..بوهن شديد...
- أنت حقير..منحط..أنت لا شئ.
تقدم منها وهو يطبق بيده الثقيلة على شعرها، ألقاها على الأرض من جديد ، سقطت هذه المرة على وجهها، لازال يشدُّ شعرها وهو يشرع في وضع قدمه على ظهرها، أختنق صوتها في حنجرتها، لم يعد بها قوة على الصراخ، كل ما تراه الآن يتماهى أمام عينيها، رمادياً كأطياف السراب.....
- أنا حقير أم أنتِ يا ............، أصلاً فتاة دنيئة مثلكِ لا حق لها بالكلام...
"وماذا عنك؟!!"
وبصق عليها وهو يرخي قبضته عن شعرها الأحمر، علقت شعيرات بيده، نفضها بقرف وهو يقول ببرود:
- سأخرج، وسأعود بعد قليل، لا أريد أي شئ هنا يتعلق بكِ هنا..أتسمعين.
عادت محطمة، جسدها يضمخُ بالجراحات، النزف بداخلها أعمق من أي جرح، كلُّ الرضوض تهون، كلها عدا نزفُ الكرامة لا دواء له..
اغتسلت بالماء البارد لتسكّن أطرافاً مخدرة، جفاف هادر بالداخل، يثلّج كل التأوهات، أخذت تسرح شعرها دون شعور، ألم ذراعا يوقفها كل حين، لكنها لاتكل، اللاشعور يقودها في دوامات، دوامات بعيدة، لا نهاية لها ...
هناك رغبة قوية تتأرجح بالداخل، لتدمير كل شئ، للإنتقام، لبثّ سمومها في حنايا الزمن......
حقدٌ أسود يتغلل في دمها، يتوسد تلك الأجنح المتكسرة....
ماذا بعد هذا إلا الطوفان؟!!!!
توقفت حركة الفرشاة، ضغطت عليها لعلها تستجيب، كانت شعيرات قد تلبدت على شكل عقد صغيرة متشابكة كخطوط حياتها، قامت بتهالك، فتحت درج خزانتها، أخرجت مقصاً وبقلبٍ جامد قصتها، وتسربت بين يديها، تناثرت على أرضية الغرفة، تأملتها لثوانٍ ثم أكملت طريقها وهي تدوسُ عليها...
اتجهت للانترنت، هي الآن عاطلة، تعيش في كومة فراغ:
لا أب، لا أم، لا زوج، لا عمل....
كيف تعيش؟! لا بد أن تبحث عن عمل، وفي الشبكة العنكبوتية منافذ كبيرة وتتساقط الأموال من كل حدبٍ وندب، بدون صداع، بدون مشاكل، بدون زواج عرفي، مجرد ضغطة زر وينتهي كل شئ!!!
وتبقى الحواس ضائعة، تائهة في متاهات الغفلة.....
وحين نفقد الأمل، تتساقط كل الصروح، وتنكس الأعلام، وتطغى إفرازات الذات، لتضع في السراب قطرة، لكنها مالحة أيضاً!!!!
"كل هذا بسببك يا سلمان، أنت من أشعلتها، أشعلت تلك الصرخة بجوفي"
==================
امتطى حصانه الأسود، جرى بطول المزرعة بقوة لعل الغضب الذي يعتمل بداخله يتبخر، يتوارى مع ذرات الدخان المتخلف من حوافر الجواد...
توسطت الشمس كبد السماء، أشعتها تتخلل جسده، تهبه حرارة ودفء في أيام باردة، لاطعم لها...
لاح طيف أخيه يقترب، قبض لجام الجواد ليكبح انطلاقه، بات هذا الخيال كريهاً بالنسبة له، يتحاشى الاصطدام به، يُحيل لياليه إلى كوابيس...
دار على عقبيه، ليلج إلى "الاسطبل"، ناداه ذلك الطيف بصوتٍ جهوري، توقف وارتجل من جواده، مهما يكن لا يزال أخاه الكبير..
"- راشد".
- نعم. ردّ بفتور.
- والدي سأل عنك منذُ قليل، لا أحد يراك الآن في البيت.
- أعتقد أني بلغتُ سن الرشد منذُ سنوات، لم أعد مراهقاً تخافون عليه.
- أكل هذا العناد من أجلها؟ سأله بسخرية.
- أعتقد أننا انتهينا من هذا الموضوع.
شدّ على ظهر جواده بتوتر وهو يحاول أن يكظم غيظه.
- انتظر أين تذهب؟!
- سأعودُ أدراجي، الجو خانق هذا الصباح. ردّ بحدة.
- أريدُ أن أقول شيئاً قبل أن تغير هذا الجو كما تقول!!!!
رفع "راشد" حاجبيه بنفاذ صبر، عاد لطريقته في العد بصمت، كم يغيظه، يُذهب بالبقية الباقية من صبره..
- لقد كلمتُ والدي في الموضوع.
…………………………….-
- سيذهب لزيارة عمي في الغد.
امتقع وجهه، أرخى جفنيه، الطعنات تلاحقه أينما كان، يبدو أنّ كوابيسه ستظل سرمدية، أيُّ جفنٍ سيرتضي له أن ينام..
تحرك قليلاً، عاد "خالد" ليناديه، أكمل... لم يعد جسدي يتأثر، لقد اعتاد على سهامك العمياء، أرجوك أكمل ولكن بسرعة، لصبري حدود....
- لم تقل لي مبروك!!!!
- م..مبروك.
لكنّ "خالد" لم يكتفي بذلك، بل حضنه والأخير جامد كجذعٍ يابس، يوشك على السقوط، يوشك على التهالك، كلمة أخرى وينتهي كلُّ شئ.
- منك المال ومنها العيال.
…………………..-
فغر "راشد" فاهه مشدوهاً دون أن يستوعب حرفاً، ابتسم "خالد" في وجهه
.
- لماذا تنظر لي هكذا كالأبله؟!
- ماذا تقول؟ لم أفهم!!!!
"لا يريد أن يعقد أحلاماً أخرى...... أحلامنا هي من تغتالنا".
- أقول مبروك عليك ابنة عمك، فهمت الآن..
ابتسم "راشد"، انفرجت أساريره، غير مصدقٍ ما يسمعه:
- أجاد أنت فيما تقول؟!
- أكذبتُ عليك يوماً؟! بإمكانك أن تتأكد من والدي.
عبس وقد تغضن جبينه، هم بأن ينصرف، لكنّ "راشد" لم يمهله، عاد ليحضنه بقوة، بإمتنان، بحب، بأخوة....
زال عبوسه، ربت على كتفيه وسارا معاً إلى المنزل، أحدهما يكادُ يطير فرحاً..لايكادُ يصدق، والآخر يشعر بضيقٍ غريب سببهُُ أخرى أعيت تفكيره، وجعلتها غارقاً هو الآخر في دوامة الحيرة!!!!
===============
- ستخرجين الليلة أيضاً؟!
لم تجب فوراً، كانت موجهة انتباهها الكلي للمرآة...
"- ليلى"..
- آه، نعم، سأخرج، هل لديكِ مانع؟!
- كل ليلة تخرجين تقريباً، ماذا سيقول الناس عنك.
التفتت إليها، وفرشاة الظلال بيدها، قالت ببرود:
- وما شأننا بالناس، هم لا يعرفوننا ونحن لا نعرفهم، نحنُ لسنا من هنا، فلا حق لهم علينا..
وعادت لتثبت وضع الظلال على عينيها من جديد، ولكن بيدٍ بدأت بالإرتجاف...
تركت ما بيدها، وهي تنظر لأختها من خلال مرآتها، والأخيرة صامتة.
- ماذا؟! تريدين أن تُضيفي شيئاً آخر؟! أخرجي ما بجعبتك...
- والدي لم يمر على وفاته 3 أشهر وأنتِ تتجملين!!
"أعرف هذا تماماً، أعدّ الأيام من بعده بالساعات والثوان، فمن بعده بدأت "ليلى" الأخرى وأنا قررت أن أصنع لها تقويم زمني جديد، لا يهم بالهجري..بالميلادي، أي شئ، أي شئ، لم يعد شئ يفرق بالنسبة لي، ثم إن طبيعة عملي تفرض عليّ ذلك قبل كل شئ!!!!"
- سأذهب إلى عرس، ماذا تريدين أن أفعل؟! أن أذهب بملابس سوداء؟! ردت بعصبية.
- لا، بل أن تحترمي نفسكِ قليلاً و تحترمي مشاعر الأقربين.
فزت من مكانها، وقد لدغتها كلماتها، أصابتها بمقتل...
- أنا محترمة أكثر منك..أتفهمين؟! محترمة أكثر منكم جميعاً..كلكم...كلكم.
صاحت بإختناق، وقد بدأ الكحل في زوايا عينيها يمتزج مع سائل آخر شفاف، يتماهى معه في صورة ربما تتحول إلى رمادية..
سحبت "مريم" رواية "بداية ونهاية" لنجيب محفوظ من على المنضدة دون أن ترد عليها، تصفحت الرواية حتى وصلت إلى الجزء الأخير...لا تملُّ قراءته أبداً..
يا تُرى ماذا كانت النهاية؟!
أرادت "ليلى" أن تقول شيئاً آخر، لكنها أحجمت، عضت على شفتيها بتوتر، أطبقت فمها نهائياً....
سارت لخزانة ملابسها وهي تتابع أختها المتوارية خلف قصتها، أخذت حقيبتها، باتت تحتفظ بها في الخزانة، فيها أشياء خطيرة..ممنوعات!!! وأهمها علب السجائر التي باتت لا تستغني عنها.....
ملأت الغرفة برائحة عطرها النفاث، وخرجت وهي ترمق أختها بتحدي....
رفعت "مريم" رأسها عن القصة، وضعتها على المنضدة من جديد، تنظر إلى حيثُ خرجت تلك الأخيرة وهي تهزُّ رأسها..
تنهدت بقوة وعلقت بصرها نحو السقف، تأملته، تأملت لون الطلاء المهترئ، لا تكاد تجزم ما كان لونه في الأساس!! أبيض أم بيج؟!
آلمتها رقبتها، أزاحت دثارها ونهضت من سريرها، لتتأكد ما إذا كان "أحمد" نائماً أم لا....
"كم هي ثقيلة هي المسؤولية ننوءُ بها وتنوءُ بنا......"
======================
كان صوت الموسيقى صاخباً، هزّ "خالد" رأسه بملل وهو يتصفح الملحق الرياضي الذي بيده، ألقاه على الأرض فتناثرت صفحاته، قطب جبينه وأخذ يتلمس جيب بنطاله، ليشعل لفافة تبغ، سرت في جسده رعشة، كان الجو بارداً....
انفتح الباب ودخل "فيصل"، وقد اختلطت في وجهه إمارات التعجب، قال بإستنكار:
- ماذا تفعل هنا؟! الحفلة بالخارج وأنت حضرتك جالس هنا تدخن؟!!
لم يجب، أخذ يراقب السجارة وهي تحترق للمنتصف، لونها الأحمر المتوهج يثيره، يجذبه بشكل غريب، نفخ في سجارته بخفة ليبعد الرماد الذي علق بالوهج، ابتسم الآن ونظر لصديقه:
- هاا..ماذا قلت؟!
ردّ "فيصل" بغيظ من بروده:
- لقد أعددتُ هذه الحفلة من أجلك.
- ومن قال لك أني أريدُ حفلاً؟! ما المناسبة أصلاً؟!
- المناسبة!! المناسبة هي حالة الاكتئاب الغارق فيها حتى أذنيك..
عاد ليبتسم بتهكم، وهو يشعر بالضيق، مرارة علقت بحنايا جوفه ، أحالت أيامه إلى علقم، كل ما يشعر به هو الفراغ، الفراغ الذي لا ينتهي.....
اقترب منه "فيصل"، لمس كتفه فانتبه له:
- هيا قم معي.
- لا أريد.
- هيا، لا تكن طفلاً.
- اهتماماتي ليست كاهتماماتك.
- ماذا تقصد؟!
- أتسمي هذه الحفلة علاجاً؟!
- قم وانظر ماذا أحضرتُ الليلة..واووو، روعة يا "خالد"، روعة، صنف جديد سيعجبك!!!
- أف، لا حول ولا قوة إلا بالله، كم مرة قلتُ لك لا أريد.
- فقط شاهدها على الأقل، فاتنة، حورية، صدقني لن تندم، وستشكرني على هذه المفاجأة!!!
أخذ يلحُ عليه حتى نهض معه، سار بضيق ليرى تلك "الحورية" الإنسية كما يزعم!!!
كانت مديرةً ظهرها تراقب بإهتمام تصميم الشقة، وقد تناثر شعرها الأحمر الكثيف على كتفيها، بدت ساحرة في وقفتها تلك، دارت وكأنها أحست بأعين تحدقُ بها، تثمِّنها!!!!!
ابتسمت لهما بإمتهان، بادلها "فيصل" ابتسامة متشدقة، ثم عاد ليراقب تعابير وجه صديقه، ليعرف انطباعه عن تلك اللوحة المصبوغة أمامهما بإتقان محترف!!!!!
وهاله ما رآه، كانت أوداجه قد برزت بقوة، وقد تلاشت ألوان وجهه، بل دكنت!!! بدا وكأنهُ يصارع شيئاً ما، أن يصرخ مثلاً أو يقتل من أمامه!!!
- ما اسمك؟! سأل بصوتٍ هادر.
جفلت من صوته الغاضب، هذا ونحنُ لا زلنا في مرحلة التعارف!!
- ليالي.."ليالي سوداء". ردت بدلع مصطنع.
- ما اسمك بالكامل؟!
- وماذا تريد به؟ سألت بضيق وهي تطالع فيصل.
التفت لهُ هذا الأخير وهو عاقدٌ حاجبيه:
- إنها محقة، ما شأنك وشأن اسمها؟!
لم يرد عليه، عاد ليخاطبها بحدة من جديد:
- ألا تسمعين، أجيبي...
- أنا لم أحضر هنا للتحقيق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:24 pm

نظرت لفيصل بغضب وهي تبحث عن حقيبتها التي ألقتها كيفما كان، لكنّ "خالد" لم يمهلها، انتشلها منها وأخذ يفتش فيها بعصبية، شهقت وهي تحاول منعه، و "فيصل" يراقب تصرفات صديقه الغريبة بذهول.
تناثرت محتويات الحقيبة على الأرض...لم يجد مبتغاه، عادت أوداجه لتنتفخ من جديد، تقدم منها والشرر يتطاير من عينيه:
- ما اسم والدك اجيبي؟
- لا شأن لك بإسمي، أتفهم..
- والدك اسمه عبدالله ال.....؟! صح.
شهقت هذه المرة بصوتٍ أقوى، أردف:
- ويعمل سائق سيارة أجرة، أم أقول أنهُ كااان!!
نظرت إليه بذهول، هي اختارت هذه المنطقة لأنها بعيدة عن مدينتهم، كي لا يعرفها أحد، من هذا؟! وكيف عرفها!! إنها لا تذكر أن رأت وجههُ من قبل، أما هو فلم ينسى، لم ينسى وجهها رغم كل المساحيق التي تضعها، أليست أختها؟! كل ما يتعلق بها يظل محفوراً في عقله و !!!!!!!
حاولت أن تتمالك نفسها، فأن تؤكد له ما يقول، فيه نهايتها المؤكدة، نهاية أخوتها، لا بأس أن تضيع هي فلا أمل يُرجى منها، أما "مريم" و"أحمد" فالمستقبل أمامهما، لا زالوا على أعتاب الحياة.. هكذا رددت في نفسها، وهي تبلع ريقها من الخوف، إنها بأشد الحاجة للكتمان، بأشد الحاجة إليه....
ردت ببرود:
- يبدو أن صديقك الذي أحضرتني إليه أصابه الجنون، وأنا لا أتعامل مع مجانين.
- أنا المجنون أم أنتِ أيتها الساقطة؟!
صفعتها كلمته "ساقطة"، أرادت أن تتماسك، لكنّ اهتزاز جسدها كشفها، غادر "خالد" المكان بغضب وعاد ليلتقط مفاتيح سيارته لينصرف، لحقه "فيصل" وهو يحاول أن يفهم الأمر برمته...
- إنها هي هي، هي أختها أجزمُ بذلك.
- أختُ من؟!
- أخت تلك الفتاة التي ...........
صمت دون أن يكمل، هزهُ الاكتشاف الجديد، ألم يكن متشاءماً من الأعداد الفردية، ألم يكن يبحث مازحاً عن لقب رابع يُلصقه بها..ها هو يجده: أختها ساقطة!!!! لقب بديع لا؟!! لقب طغى على كل الألقاب، كسر ذلك الأمل نهائياً، كان متردداً في أن يتخذ تلك الخطوة التي أرقته، وجاء هذا الاكتشاف ليُمحي كل ذرة أمل باقية...
التفت بيأس إلى صديقه، يُخاطبه بلسان حاله:
- وتريدني بعد كل هذا أن أتزوجها؟!
====================
- لحظة، انتظري لم أكمل نقل بقية المحاضرات.
- لا بأس أنقليها مرةً أخرى.
- نسيتي؟! بعد غدً سأقدم الامتحان الذي فاتني.
نظرت "أمل" لساعتها مقطبةً، دقت بأصبعها على فمها، ثم مطت شفتيها وهي تقول:
- أنا تأخرت الآن، "راشد" لم يتوقف عن الاتصال بي، يقول لديه مفاجأة في الطريق....
…………………………….-
- اسمعي ما رأيك أن تأتي هذا المساء لبيتنا، سأشرح لكِ أيضاً. قالتها بإغراء.
- ههههههه، تشرحين لي؟! أنتِ لا تركزين أصلاً في المحاضرات...
- ماذا تعنين؟! سألت بغضب زائف.
- لا شئ.
- ها ماذا قلتِ؟
لم تجب، كانت مترددة، حائرة، ولكن مستقبلها الأكاديمي في المحك، الشهادة تأتي أولاً قبل كل شئ....
- طيب، سآتي في الساعة الثامنة أو ربما في السابعة .
- سأنتظرك، مع السلامة.
- مع السلامة.
تابعتها إلى أن توارى ظلها نهائياً، حملت كتبها وسارت هي الأخرى إلى موقف الباصات...
وصلت للمنزل، كانت قابعة مع أخيها يتناولان الغذاء، ألقت التحية وهي ترمق أختها ببرود، كانت تأكل بلا شهية، تحرك يدها في الطبق دون هدف.....
- لديّ طلب، ممكن؟!
- نعم..
- أ بإمكانك أن تبقي الليلة في المنزل؟!
- ل...لماذا؟ ماذا حدث؟! من قال؟ ماذا.. (أخذت تسأل وخوف يرتسم على وجهها.(
تطلعت لها "مريم" بإستغراب، حتى "أحمد" رفع حاجبيه ويديه عن الأكل..
تمالكت نفسها وهي تزدرد ريقها:
- أقصد ما السبب؟!
- سأذهب هذا المساء لبيت "أمل"، لديّ فروض..
- آه. (ردت بهمس.(
ثم تنهدت وهي تسترجع صوتها المعهود:
- لا بأس.
"ليلة واحدة لن تفرق في شئ"!!!
وابتسمت بتهكم.....
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:24 pm

===============
الساعة الآن السابعة مساءاً بتوقيت الإمارات، سارت الهوينى تتأمل نجوم السماء حيناً وتصدُّ للأرض حيناً آخر كي لا تتعثر في مشيتها...
الدنيا في هذا الوقت أمان، تسمع أصوات الأطفال الفارين من ذويهم ليلعبوا لعبتهم المفضلة "الصيدة" ومن أجمل من المساء ليتخذوه غطاءاً!!
وصلت للمزرعة، حينها أسرعت في سيرها، هناك كانت أول ذكرى لقاءها به، محفورة في ذاكرتها، ويا لها من ذكرى!!
دقت باب الجرس، انتظرت كثيراً، أخذت تتطلع إلى الأوراق الشاغرة، فاتها الكثير في الأيام الماضية...
فُتح الباب، أطلّ بوجهه، حولت وجهها للجانب الآخر، لم تلاحقك الكوابيس أينما كنت؟!
- أمل موجودة..
- تفضلي.
كان واقفاً بتردد، همّ بالكلام، بقولِ شئٍ آخر ربما لكنهُ أحجم، لا زال ملتصقاً بالباب، وفرجة الباب ضيقة لا تسمح لها بالولوج بالرغم من نحافتها.
تطلعت إليه بضيق وهي تتأفف لعلهُ يبتعد، مرت دقيقتان بطيئتان ثم ابتعد.
أشار لها بأن تدخل غرفة الجلوس كي ينادي أخته، جلست وهي تُعيد ترتيب أوراقها، تضع علامات على الدروس الناقصة، لم تشعر بألم في معدتها ودقات كدقّ المسمار في صدرها، قلبها يدق بقوة كطبول مجنونة...
"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، تلت سورة الفاتحة في سرها"
ثم أخذت شهيقاً بطيئاً وطويلاً، ألهذه الدرجة رؤيته توترها، ولم تأخرت هذه الأمل أيضاً؟!!
وانفتح الباب، لم تأتِ هي بل أطلّ هو، قال بصوت هادئ:
"- أمل" ليست هنا، لقد ذهبوا جميعهم إلى "أبو ظبي" لخطبة ابنة عمي لأخي راشد...
لم تعلق، لم لم تخبرني!! نهضت من مكانها وهي تلمُّ أوراقها، وتوجهت إلى الباب.
- لا زال الوقت مبكراً على الخروج..
فتحت عينيها بدهشة وهي تحاول أن تتمالك نفسها:
- لو سمحت أريد أن أخرج.
- طلبك مرفوض.
- كنت تعلم بعدم وجود أحد وتركتني أدخل؟!! صاحت فيه بغضب.
عبس في وجهها ولم يجب، أغلق باب الغرفة خلفه وتقدم ناحيتها، تراجعت إلى الوراء وهي تصرخ:
- لاتتقدم، إذا اقتربت مني سأصرخ.
ضحك بجفاء دون أن يتراجع، ردّ بتشدق:
- اصرخي كما يحلو لكِ، فلا يوجد أحد هنا إلا الخدم وهم فوق ينظفون الشقة للعروس الجديدة.
تساءلت بخوف..بصوتٍ متقطع كأنفاسها:
- ماذا تريد؟
- أريدكِ أنتِ..
وتوقف حينها عن الضحك وهو يتأملها ببطء من رأسها إلى أخمص قدميها، ارتجفت من نظرته:
- أنا..أنا لا أفهم شيئاً.
ردّ بجدية:
- بل تفهمين.
طفرت الدموع من عينيها، وهي تشعر بزلزال يهزُّ كيانها من الأعماق، راقبها بصمت وهي تضم الأوراق إلى صدرها بقوة حتى تجعدت، وفمها يرتعش وقد احتقن وجهها فبات لونهُ أحمراً قانياً كالدم...
خاطبها بقسوة من فوق كتفيه:
- لا تنظري إليَّ هكذا كأني مجرم مغتصب، حددي لي السعر وسأنقدك إياه فوراً..
فغرت فاهها طويلاً وهي تحملق فيه دون تصديق، تلاشت كل الألوان من وجهها وعجزت عن النطق، ماذا يقول هذا الرجل؟!!!
50000 -درهم تكفي؟!
عادت من ذهولها، تساقطت الأوراق من يديها ولم تشعر بنفسها إلاّ وهي تنقض عليه، تضربه على صدره بكل ما أوتيت من قوة وهي تصيح:
- أيها الحقير، الحيوان، الدنئ، أيها النذل الجبان...أتحسبني عاهرة..
لم يتحرك، ولم يصد هجماتها عليه، كان واقفاً كالصخر يتلقى ضرباتها ولعناتها الأبدية وهي تلهث من شدة التعب:
- هل هدأتي الآن؟!
لازالت شحنات الغضب تتصاعد في جوفها، تكاد تخنقنها، كيف تجرأ وقال لي هذا الكلام!!!! ماذا يخالني هذا الحقير..
صدرها يعلو و يهبط وصدى كلماته تكتمُ أنفاسها، تمنعها حتى من الصراخ، أطلقت دموعها قبل أن تنفجر، حولت وجهها عنه وراحت تلم أوراقها بيد مرتجفة وبعينين لا تريان:
- ماذا تفعلين، لم ننهي اتفاقنا بعد!!!
شهقت من بين دموعها وألقت بنفسها على الأوراق تبللها وتنشج بصوتٍ متقطع كنشيج الميازيب في مواسم المطر، أيُّ ذلٍ أعيشهُ أنا!!!
سألها وبكل وقاحة الدنيا:
- لم كل هذا الصياح..ماذا تتوقعين أن يحدث لفتاة مثلك؟!
رنت كلمة "مثلك" في ذهنها بوقعٍ غريب لم تستسغه أذناها، رفعت رأسها من على الأوراق، تنظرُ إليه وهو لا يكاد يبين، سألتهُ بصوتٍ متكسر لا تتضح حروفه:
- م...ث..ل..ي!! مثلي...كيف؟! ل..لا..أفهم.
جثا بجانبها، لم تجفل، كان همها أن تفهم، أن يجيب على سؤالها، ردّ بثبات دون أن يبعد ناظريه:
- مثلك في وضعها أبٌ متوفٍ، أخ مدمن يستخدم الحقن في الشوارع بالقرب من النفايات كما تعيش الكلاب الضالة، وأخت ساقطة تبيعُ نفسها في شقق العزاب!!!
"ساقطة، ساقطة، ساقطة" صفعته على وجهه بقوة وبكل الكره والغضب الذي أعمى عينيها، صاحت فيه:
- ما الساقط إلا أنت..
أمسكها من معصمها بقوة حتى كاد أن يسحقه، أكمل وبكل دناءة:
- أجل، ساقطة..البارحة كنتُ في شقة صديقٍ لي، باعت نفسها عليه، ثم أتت تعرض نفسها علي بكل وقاحة لا تتقنها إلا الساقطات..
حاولت أن تسحب يدها لتصفعه مرةً أخرى، لكنهُ كان أسرع منها، صرخت من بين دموعها:
- أنت تكذب..تكذب، أختي لا تفعل هكذا، أنت تكذب..أنت حيوان، نذل، حقير...
وانتابتها نوبة من البكاء الهستيري، لم يرحمها ولم يرحم دموعها، هزها من يدها لتنظر إليه من جديد:
- لا تصدقيني؟!! إذا شئتِ أخذتك إلى شقة صديقي الآن، لا بد أنها هناك..
………….-
- أتعرفين لم نبذتها، لأنني لا أحب الأشياء المستعملة، الأشياء الجديدة هي دوماً من تستهويني، مثلك تماماً..
………….-
- ثم أعتقد أنّ الجمع بين الأختين حرام أيضاً!!!!!!!
كفّت عن الصياح وقلبها يكاد أن ينخلع، أخذتُ تأن بصوتٍ منخفض، تخاف أن تحجب دموعها عيناها فلا ترى ما يودُّ فعله، لا زال ممسكاً بيدها المسحوقة، برقت عيناه واشتدَّ سوادهما، كانت يتنفس بسرعة، جفلت من شكله المتوفز..
وضعت يدها الأخرى على فمها لتمنع صرختها، توسلت إليه برجاء، بصوتٍ مبحوح من كثرة الصياح:
- أرجوك دعني أذهب..أرجوك.
ترك يدها، وقام من جلسته وهو يدير وجهه بعيداً عنها:
- آسف، أنا لا أملك الخيار.
أنهضت نفسها بتثاقل، كانت تشعر بالإعياء، بالجهد...الضغط الإنفعالي الذي تعرضت له يفوق طاقتها، يفوق احتمالها، يفوق كل الآلام التي تعرضت لها منذُ ولادتها!!!
رفقاً بالقوارير..هكذا وصى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وانظروا ماذا فعلوا بوصية رسولهم....
يريدون تحطيم تلك القوارير، تهشيمها، تفتيتها، لكأنها خُلقت من أجلهم، من أجل إرضاء غرائزهم..بئساً لهم وتعساً لنا.....
نظرت إليه بتحدي، بشموخ لا قرار له، وهي تمسح وجهها المبلل:
- أو تظن أني سأسلّم نفسي لك، أو أجبن عن الدفاع عنها، كم أنت واثق من نفسك كثيراً، تعتقد أنّ كلامك سيثبطني، سيردع مبادئي، سيزعزع إيماني أو ثوابت ديني، لا تعرف كم زادني قوة لأواجه الحقيرين كلهم وأولهم أنت..
تطلع إليها بسخرية وابتسامة قاسية ترتسمُ على شفتيه:
- وبماذا ستدافعين عن نفسك؟! بجسدكِ النحيل هذا!!!
كم كرهته تلك اللحظة، كرهت كلامه، صوته، كل شئ فيه....
سارت خطوتين، لكنهُ أمسكها، حاولت أن تتملص منه، سحب حجابها، هالتها هذه الخطوة وجمدت في مكانها..
شعرها لازال رطباً، كان قصيراً فاحم السواد، التصق بعنقها وتناثرت خصلاته المبللة على جبينها...
هذه هي المرة الأولى التي يراها أجنبي دون حجاب، يراها حاسرة، القوارير انتهكت حُرمتها، ماذا يبقى بعد ذلك؟؟!
مشوار الجسد يبدأ بخطوة!!
نظرت إلى حجابها الذي كان ممسكاً به، تبكي عليه، تبكي على هتك سترها..
"يا رب أنا لم أقصد أن أُظهر شعري يوماً لغريب..كلُّ شعرةٍ شيطانة وكلُّ شيطانٍ في النار، يا رب لم أقصد ذلك، فاغفر لي....."
دمعت عيناها بحرارة كما لم تدمع يوماً في حياتها......
ألن ينتهي هذا اليوم أبداً؟!!
اقترب منها، تراجعت إلى الوراء بضعف، استندت على الجدار ترتجف كورقة خريفية توشك على السقوط، عن الخروج عن جذعها الذي طالما انتمت إليه...
أغمضت عينيها بقوة، تعصرهما عصراً، لم تعد تراه وسيماً، تجسدت فيه كل قباحة الدنيا، كلها دون استثناء...
أمسك خصرها، يداه كالنار تحرقُ جسدها، وضعت باطن كفها على فمها لتمنع لوعةً فتت كبدها تلك اللحظة، أرسل جسدها اهتزازات عنيفة تستنكر..
- أرجوك.. (كررت بصوتها المبحوح) أرجوك.
قرب وجهه منها، أنفاسه الساخنة تلفحُ وجهها، همس في أذنها بصوتٍ أجش:
- أرجوك ماذا؟! أرجوك أكمل؟!!!
وضعت يديها على أذنيها وهي تصرخ:
- ابتعد عنيييييييييي.
- آسف يا صغيرتي.
هزت رأسها وقربه يقطعها، يحيلها إلى هشيم، صاحت بين شهقاتها:
- أريد أن أعود للبيت..أرجوك لالالالالالالالالالا....
- دموعك لن توقفني هذه المرة..أتسمعين؟!
- أمي..أنا..قالت...و .... (كانت تهذي دون أن تعي شيئاً).
هزها من كتفيها لتنتبه إليه:
- ماذا تقولين؟!
أخذت تأن دون أن تجيب، تنظر بعجز إلى يديه اللتين استقرتا على كتفيها، كطوق، كقيد يجرها لا تدري إلى أين..
فهم نظرتها، صاح فيها بغضب وكأنهُ يخاطب نفسه، يُريد أن يحسم الصراع بداخله:
- من الأحمق الذي يترك فرصةً كهذه؟! أخبريني!!!
عادت لتضع أصبعها المرتجف بجنون على شفتيها كما هي عادتها في القسم، رددت بصوت مبحوح:
- أقسم..أقسم لك..والله..والله العظيم لن أعود إلى هنا..لن أُريك وجهي..فقط دعني أذهب.
أبعد يديه ببطء، احتواها بعينيه وهو يقول بتشفٍ وبرود:
- تذكرين ذلك اليوم، أعطيتك خياراً آخر لكنكِ رفضته.
…………………..-
صاح بجفاف:
- أنا مريض..ألم تقولي ذلك؟! والمثل يقول: داوي نفسك بالتي هي الداءُ!!!
حركت يديها المنكمشتين في الهواء بذعر وهي تنفي:
- أنا لم أقصد..لم أقصد شيئاً، سامحني..
- تأخرتِ كثيراً...
ترى صورتها المنعكسة في عينيه، تهتز كذُبالة شموع الأمس، حين تمر عليها هبات النسيم، ويخفت الضوء شيئاً فشيئاً ولا يتبقى إلا الظلام، الظلام الأعمى فقط...
لفت وجهها للجدار تماماً وأجهشت بالبكاء من جديد، تطلع لها بشفقة وهو يراقب اهتزازها...
" أنا لا أملك الخيار، لا بد أن أمسح صورتك من ذهني، يجب...هذا هو الحل الأخير وبعدها ينتهي كل شئ!!!!"
قالت من بين شهقاتها، بإستعطاف، بذلٍ مرير:
- تريدني أن أبتعد عن أختك، سأفعل، فقط..أنا..أتوسل إليك..
- أنتِ لا تفهمين شيئاً..لا تفهمين.
وضرب بقبضته على الحائط بقوة، أجفلت و هوت عند قدميه وهي تنتفض...
كان يريد أن يُطلق كل انفعالاته الهوجاء، يترك لها العنان، صرخ بقوة ليُغطي على الصوت الصغير بداخله، ذلك الذي لا يفتأ أن يحتج على كل شئ وهو يحاول إخراسه للأبد:
- كفي عن البكااء!!
تطلعت إليه من علو، عيناها الدامعتان تتوسلانه، ترجوانه بصمت، تطلبان منه الرحمة، الرحمة فقط....
أدار وجهه ناحية الغرب، يلمُّ قبضته بتوتر..
"لا فائدة..لا فائدة!!"
نكست رأسها، دموعها تتساقط على قدميه بيأس بائسٍ مثلها...
دموعها الحارة أيقظته من سرحانه، تطلع لها وآلاف المشاعر تتقاذف في صدره، لا يستطيع أن يحللها، عاجز عن فهمها تلك اللحظة...
السكون بينهما قد خيم وكأنّ على رؤوسهم الطير، لازال يتأملها وهي مطرقة، لو كان بيدها لدفنت نفسها الآن في الأرض، أسفل سافلين!!!
قالت له بصوتٍ خافت، كأنهُ قادم من بعيد:
- أحمد..أحمد أخي..
- ماذا به؟
- من سيبقى له؟!
- أنتِ..
- كلا....
وعادت لصراخها الهستيري و هي تهزُّ رأسها:
- أنا حين أخرج من هنا لن أعود إلى هناك أبداً..أبداً..
- ماذا تعنين؟! سألها بخوف.
نظرت إلى الجانب الآخر وهي تضمُّ يديها بقوة إلى صدرها وفمها يتجعد من جديد:
- أريدهُ أن يربى نظيفاً، لا أريده أن يعيش مع القذارة بعد اليوم...
نظر لها بصدمة يحاول أن يستشف مغزى كلامها!!!
صدرها يعلو ويهبط في حركات متتالية، نكست رأسها أكثر وهي ترتعش، تنتظر مصيرها، ومصيرها بيد جلادها!!
تذكرت الدجاجة التي اصطادتها مع أخيها "أحمد" ذلك اليوم البعيد القريب كالأمس، وجاء اليوم فغدت هي تلك الدجاجة، تلتفت يميناً وشمالاً، تحاول أن تجد لها مفراً ولكن هيهات...
رفعت رأسها لجلادها تلك اللحظة، أتُراه سيقضي على حياتها؟!!
.
.

.
.
"باقي من الزمن ساعة، أليس كذلك؟!"
تحرك بعيداً، بعيداً بما يسمح لها أن تتنفس بحرية، دون وجود جزيئات أخرى تشاركها الغلاف الجوي....
فتح الباب دون أن يلتفت، مرّ وقت طويل قبل أن يقول:
- اخرجي بسرعة قبل أن أغير رأيي...
وانصرف من غرفة الجلوس وهو يصفق الباب خلفة بقوة!!
أما هي فقد تهاوت كلياً على الأرض، انزلقت ببطء تُريح أطرافها الممزقة، تستمدُّ منها الأمان، تحضن نفسها غير مصدقة نجاتها...
تنفست ببطء وعيناها مغمضتان، تلهج بالحمد بلسانها مراراً وتكراراً...
وكأنها ارتاعت من جلستها في هذا المكان المشؤوم، قفزت من مكانها وكأن أفعى لسعتها، وبالرغم من الثقل الذي برجلها إلا أنها انطلقت كالمجنونة وهي تلهث، تلتفت خلفها كل حين وكأنّ شبحاً يجري خلفها!!!!!!!!!
==============
مريم يا دمعةً في الخد...سيري...
برعاية الرب سيري....
لم أشأ ولم تشأ حروفي....
لكنها قسوة الأيام..قسوة الزمن الغادر...
زمن حين لا أم ولا أب و لا أحد.....
زمن حين تتراقص الفراشات حول فوهة البركان دون هُدى....
آه، ما أقسى الزمن!!!
أعلم أنّ اعتذاري لن يكفيك ولكن كلي أمل أن تسامحيني يوماً.....
في السماء نجوم تهوي...
وفي الأرض زهور تتفتح!!!!
ولاندري ماذا يُخفي الليل في جلبابه...
مداد حبري قارب على النفاد....
وضلالات الحب كادت تصل....
وللقصة بقية فانتظروها......
كان ما شئناهُ وانتهينا....
فهل أرحنا خافقاً وعينا؟!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:25 pm

(20)
قدماها لازالتا تتراقصان من الخوف، تنفست بقوة وهي تستند بضعف على الباب، غطت وجهها بيدها اليسرى لعلها تُبعد صورته، لمسته، همسته التي لا تفتأ تدوي في أذنيها بطنين مجنون..
أكملت وهي تجر نفسها لعلها تصل إلى غرفتها، توقفت هنيهة وغصة في الداخل تمزقها تمزيقاً، أحنت رأسها وهي تمسك بعنقها وتعود لتقبض على صدغها ورغبة بالغثيان تعتريها كل حين....
رنت ضحكة ماجنة في الغرفة المقابلة، اعتدلت في وقفتها تصيغ السمع، كل ما تراه يبدو هلامياً، غير حقيقي، هل أنا أنا وهل نحنُ نحن؟!!
"في أي عالمٍ نعيش..أخبروني؟!!"
فتحت الباب دون أن تطرقه، كانت مستلقية وهي تعبث بخصلةٍ ناشزة من شعرها ويدها الأخرى ممسكة بالجوال..
رفعت "ليلى" وجهها للقادمة وكأنها آتية من سفرٍ بعيد، تراتيل الرحيل أزفت، رسمت سطورها في حنايا الوجه النحيل، في العينين ذبول وعتاب، عتاب طويل بطول الليل، بطول أروقة العذاب ومتاهات الزمن....
أخ ما أقسى الزمن.....
أغلقت "ليلى" هاتفها، وهي تنظر بخوف وقلق لأختها، لازالت تنظر إليها بألم، أما تراه الآن دموع تهطل من عينيها السوداوين؟!!!
اقتربت منها والأخيرة تصارع لتقف بإعتدال وقدميها تخوناها، لا تفتأ أن تنثني والرغبة بالتقيؤ تتزايد كألسنة اللهب، لتحرق كل شئ، كل شئ.....
لمست "ليلى" كتفها فأجفلت، رفعت رأسها وهي تنظر لها بشزر، أبعدت يدها عنها وهي تصرخ بصوتٍ مبحوح عُيّل من كثرة الصراخ:
- لا تلمسيني..
رفعت "ليلى" حاجبيها دهشةً، أكملت ويدها تقبض على عنقها من جديد:
- قذرة مثلك تصيبني بالنجاسة.
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!-
ارتفع صدرها بقوة مرةً واحدة وتوقف، آلاف الكلمات تتصاعد في جوفها، لاتعرف ما تختار والأخيرة تنظر لها دون أن تستوعب شيئاً.
- لم أتوقعك بهذه الحقارة أبداً، أيتها...أيتها ال...
واحتقن وجهها من جديد، شدت حجابها بعنف وألقته، صدت لأختها التي كانت تتراجع إلى الوراء.....
كان وجهها ممتقعاً هي الأخرى، قالت بإنكسار وأطياف الحزن تتجمع من جديد لتخدش ما بقى في الصورة من لمعان:
- لماذا؟! لماذا؟! لماذا قولي لي...أجيبيني لماذا؟! أنتِ أنت يا بنت أمي أنتِ!!
ولطمت وجهها لعلها تفيق من هذا الكابوس، لعلها كانت تحلم وكل ما حدث هو من وحي الخيال فقط، فقط يا ليت.
بدأت حبات العقد تنفرط، تدحرجت إلى آخر بقعة، هناك في الزاوية....
تطلعت "ليلى" حولها بعين زائغة وقلبٍ راجف...أتراها عرفت؟! كيف؟!!
- ساقطة...ساقطة.. قال ساقطة...
هزت رأسها وهي تردد بهمس ذاهل وتُحرك أصابعها النحيلة في الهواء، وضعتهم على فمها المرتعش وهي تكررها بهمس دون تصديق، نظرت "للساقطة" وكأن مرآها أفاقها من ذهولها، تغضن وجهها وهي تنظر لها بقرف:
- كل شئ توقعته منكِ إلا هذا إلا هذا، لم لا تتكلمين ها؟! أم أن السفالة عقدت لسانك أيتها الفاسدة الحقيرة، أنت عار، كومة عار...
……………………-
- منذُ متى أجيبي؟! منذُ متى؟! لم تحترمي حتى أبي في قبره، لا سامحكِ الله لا سامحكِ لا سامحكِ الله.
ونشجت دون توقف كسيلٍ فوار ولكن في بركةٍ آسنة لا قرار لها...
……………………..-
- ماذا فعلتِ بنا أنا وأحمد..سودتِ وجوهنا، ألم يكفنا "محمد" لتكملي أنتِ؟؟!
الأظافر تخربش ذلك الجيد دون شعور، تسللت خطوط وردية بان سناها على صفحة الجلد الأبيض، تقدمت منها "ليلى" بوجل لتوقف عويلها، وما أن أمسكت يدها حتى أتحفتها بصفعة قوية على وجهها أودعت فيها تلك اللحظات، تلك الكلمات، ذلك الذل الذي عاشته بسببه وسببها..
تردد صدى الصفعة في أرجاء الحجرة الخالية من عروشها، وضعت باطن كفها على خدها وهي منكسة رأسها وعضلة صغيرة أسفل فمها تنبض بوضوح....
تطلعت "مريم" إلى يدها التي تهتز بتعجب وكأنها انتبهت أنها الصغرى وتلك أختها الكبرى، صدت لليلى، كانت تشهق بصوتٍ كتوم، لكن قلبها أقسى من أن يتأثر بدموعها..
ماذا بعد ذلك؟! لاشئ يهم..لاشئ...
- تبكين؟! الآن تبكين بعد فعلتك السوداء، مثلك لا يبكي، مثلكِ إن كان فيه ذرة دم، ذرة حياء باقية، يدفن نفسه..
تصاعدت شهقاتها هذه المرة بقوة، بصوتٍ مسموع، لم تبالي بها، لو بيدها لقتلتها، لاقتلعت وجودها للأبد، ألم تكن قاب قوسين أو أدنى من الهلاك بسببها، كان سيدمرها وتضيع في زمن لا يرحم، في زمن يوصد بابه للأبرياء ويفتح ذراعيه للقذرين أمثال تلك ال...
وعادت لها الذكرى المشؤومة، الصور لاتلبث أن تتراقص أمام عينيها، وطيفه الكريه يحيط بها، يُضيق الخناق عليها، لا تصدق أنهُ تركها، حياتها كانت ستنقلب على عقبيها، ستتدمر، كيف أحبته يوماً، ذلك الحقير..ّذلك القذر وهذه القذرة يناسبان بعضهما تماماً!!!!
تطلعت لها بإشمئزاز وكأنها تقيم بعوضة، لا أكثر أو أقل....
رفعت رأسها وهي تجهش بالبكاء، تنظر إليها بذنب، كتلميذة صغيرة تنتظر الرأفة بالحكم عليها، الرأفة فقط لا إلغاء القضاء..
:- مريم" أنا...
- اخرسي، لاتنطقي اسمي على لسانك القذر أبداً.
- أسمعيني أرجوكِ.
- أسمعُ ماذا؟ أسمع دناءتك؟
- أنا كنتُ متزوجة و....
وتوقفت "مريم" عن الحركة، جمدت في مكانها وقد أخرستها المفاجأة.
- تزوجتِ؟!!
- أجل من "أبو محمد".
- تزوجته؟!! تساءلت بذهول.
- أجل تزوجته..ع..عرفياً.
- عرفياً؟! منذُ متى؟
- منذُ...لا يهم.
…………………-
- مريم هو ......
قاطعتها وكأنها تخاطب نفسها:
- متزوجة وساقطة!! كيف!! ؟!
انتحبت "ليلى" وهي تصرخ:
- أرجوكِ لا تقوليها، لا تقوليها، أقبلها من الكل إلا منكِ.
- ساقطة ساقطة ساقطة.
كررتها وهي تصرخ بلارحمة، كانت تتقرح من الداخل، وخزات تنشبُ في صدرها، تدمي ذلك القلب الذي توسّد بين الضلوع...
تهاوت "ليلى" وهي تضرب على ركبتيها، وقد فرشت لها من الأرض دثاراً تنوح عليه، تنوح على ما آلت إليه حياتها، في السر نحنُ أفضل بكثير، لكن الأيام لا تخبئ أحداً، لا تخبئ أحداً أبداً....
- ماذا كان ينقصك حتى تسلكي هذا الطريق، أفهميني يا بنت أمي أفهميني؟!
قالت قليلاً وبكت كثيراً، تصمت لتمسح وجهها الذي أغرقه الدموع، وتلك الواقفة تسمع ولا تسمع....
الوحدة، الفقر، والحب..ثلاثي البؤس!!!
كانت تردد اسم "ٍسلمان" بذهول السكران، وكأنهُ السبب في كل ما حدث!! وتلك تحدجها بنظرات تتماوج بين الرثاء والكره!! والأخيرة تتمسح بأقدامها تطلب منها أن تفهمها، أن تقدر أسبابها، و"مريم" جامدة كصخرة..
لا تنحتي، ما عاد يُجدي النحت....
- كل هذا لا يشفع لكِ أبداً، أبداً، أتعرفين لماذا؟؟
نشجت "ليلى" من جديد وهي تتكور على نفسها.
- أسأليني لماذا؟! صرخت بحشرجة.
……………………-
- لأنكِ ساقطة منذُ الأساس...
وارتفع صوت صياحها ليقطع سكون الفضاء، تأملتها "مريم" لدقائق ثم سحبت حقيبتها المُلقاة، ودثارها وشرعت لتخرج، انتهبت "ليلى" لحركتها، رفعت رأسها بذل وبعينين ذاويتين سألت:
- أين ستذهبين؟
- إلى جهنم، في أي مكان لا يحوي القذرين مثلك.
وصفقت الباب خلفها، ارتمت وجسدها يهتز بعنف، يرتج مع شهقاتها التي تلجم أنفاسها....
الليل طويل، وقد مدّ دثاره ليغطي على الجميع، ليُغلف خفايا الأنفس، يحجبها عن الآخرين، يحجب سوءاتهم، ولكن الأيام تأبى ذلك، لأنها ببساطة ترفض أن تخبئ أحداً، وقد حان الوقت لإقصاء كل شئ، كل شئ ما عدا الحقيقة!!!!!
=================
يمشي ببطء ويتوقف ليمسك سياج المزرعة بقوة لكأنهُ يودّ تحطيمه، أبعد ذراعيه وضمهما إلى صدره، ذهنه شارد بالراحلة منذُ قليل، حين تركها توارى في المزرعة، راقبها وهي تتلفت خلفها برعب كل حين، أدمتهُ تلك الحركة، وحين سقطت على الأرض هوى قلبه إلى الأعماق، كاد أن يهرع لها لينهضها لكنهُ أمسك نفسه..
بقت على هذه الحالة لفترة طويلة خالها دهراً، كانت تلم نفسها بعجز وهي تغطي وجهها بكفيها وتبكي...
ماذا فعلت يا "خالد" ماذا فعلت؟!
نهضت، ارتحلت مع جُنة الليل، تلاشى خيالها النحيل بين عينيه، بدا كنقطة بعيدة تنبضُ من بعيد....
نظر إلى السماء وهو يتنهد....
كانت قريبة منك يا "خالد" قريبة إلى حد الجنون!! أمسكتها بيديك هاتين، كادت تتحطم عظامها الرقيقة بقبضتك، شممت رائحة شعرها، شعرها كان النقطة القاضية، كاد يقصمك، وتضيع هي إلى الأبد، إلى الأبد..
ماذا كنت ستفعل يا "خالد"، ماذا كنت ستفعل؟!
تأمل يديه، لازال يشعر بجسدها بين راحتيه، كانت ترتجف وهي تحاول أن تتملص منك، بكت وتوسلت لكن ذلك لم يزدك إلا إصراراً، نشوة الصياد في أن يرى فريسته تتعذب أمام عينيه...
لم تركتها إذن؟! أجب نفسك بصدق....
ربما لأنها ذكرت اسم أخيها "أحمد"، لا تنكر أنك تحبه، أليس يحمل من روحها الشئ الكثير، يحمل براءتها وشقاوتها، في عينيه الصغيرتين تتجسد صورتها، صورتها التي باتت لا تفارق مخيلتك يا "خالد" كيف ستنتزعها الآن، كيف؟!!
كلا كلا ليس هذا فقط، بل لأنها قالت شيئاً آخر، قالت أنها لن تعود، يا تُرى ماذا كانت تقصد؟! لم أفهمها تلك اللحظة، لكنني شعرت بخوفٍ فظيع، خفتُ أن أفقدها، خفت أن تضيع، وأنت ماذا كنت ستفعل بها غير ذلك؟!
كل هذا بسببك يا "فيصل" أنت ومفاتيحك اللعينة، أنت من أدخلت أفكارك القذرة في ذهني، جعلتني أخالها لقمة سائغة مثل أختها ربما..
ولكن هل يرقى الثرى مع الثُريا؟!!
لا أبداً....
يا تُرى ماذا تفعل الآن..كيف هي حالتها؟!!
عاد ليتأمل يديه من جديد، ضمها إلى صدره بقوة وصورتها تتجمع بين عينيه من جديد....
أأنت نادم يا "خالد" على ما فعلتهُ بها؟!

.
لم أسمع، فقد همس للنجوم بالإجابة!! وأين نحنُ وأين النجوم....
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه ودلف للبيت، مرّ على غرفة الجلوس، توقف أمام الباب برهة لكأنه خشى أن يفتحه فيلوح له طيفها الذي عذبه، حينها لن يتركها أبداً، لن يتركها!!!!
أكمل طريقه لغرفته لعله يجد في عينيه طريقاً إلى النوم...
ماذا كنت ستفعل يا "خالد" ماذا كنت ستفعل؟!!
=============
قلوبٌ تتلوى، والعين تأبى أن يفارقها السُهاد.....
بين الضلوع أُمنية وفي المحجرين دمعة....
آهات متقطعة، متكسرة، تجتاح أروقة أبطالنا...
تنثر الشوك والورود في كل مكان....
مريم..خالد...ليلى... والبقية تأتي.....
يا ربُّ أنت الراحم الغفورُ
وما جرى في جبعتي محفورُ
كان الفراقُ عاصفاً وخافقي
مولاي في عصف النوى عصفورُ
فاجعل جميل الصبر لي مرافقاً
كي لا يضل خطوتي النفورُ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
فارس سيهات
ذهـــبـــي
ذهـــبـــي
فارس سيهات


ذكر
عدد الرسائل : 131
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 19/03/2007

قصة ضلالات الحب Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة ضلالات الحب   قصة ضلالات الحب Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 03, 2007 5:30 pm

(21)
- أرجوك ابتعد عني، اتركني، أتوسل إليك، لالالالالالالالالالالالالا.
فزت من رقادها، وعرقٌ يتصفد بجبينها، كانت تتنفس بسرعة، وجهها مبلل، ودموعٌ مالحة تجد سبيلاً إلى فمها المرتعش..
أخذت تنتفض، وحرارة مشبوبة تلفُ جسدها، ضمت ركبتيها إلى صدرها وهي تأن بصوت متقطع...
نامت البارحة على الأرض، في حجرة والدها التي أحتلها "أحمد"، والأخير لازال في سباتٍ عميق، لم يسمع أناتها، دموعها، شهقاتها التي لم تتوقف طيلة المساء...
غرزت أصابعها في ثنايا شعرها بقوة، لعلها توقف الطبول المجنونة التي لا تلبث أن تدق رأسها......
صداع، صداع قوي يطفحُ بخلاياها، لا يترك لها المجال لتلتقط أنفاسها، يدوي كل حين....
انسابت الدموع برقة على جيدها، أثارت ملوحتها تلك الجروح التي خدشت بها نفسها، مسحتها بيدها، رفعت رأسها لأعلى قليلاً، تطالع المكان بعينيها المتقرحتين....
لاحت لها صورته بين غلالة دموعها، يتهادى في وقفته بوجهه الأسمر، أغمضت عينيها بقوة لعلها تجعل من جفنيها ستاراً يحجب صورته، عادت لتفحتهما ببطء وتردد، كان قد اختفى لحظتها.....
ماذا فعلت يا "خالد" ماذا فعلت؟!
ارتكزت بكفيها على الأرض، تحاول أن تدفع نفسها لعلها تنهض، ترنحت في وقفتها، أحست بطيفه يضمها، يمسكها من كتفيها بقوة ويعود ليهمس في أذنيها بتلك الكلمات....
ارتاعت وهي تنكمش، ارتمت على حافة السرير وهي تحمي نفسها من سطوته بإرتجاف....
لكن لا أحد، كانت تتخيل من جديد، ضمت نفسها، وصدرها يعلو ويهبط بفزع كلما تذكرت تلك الليلة التي غاب عنها القمر....
لفّت لأحمد وعيناها مغرورقتان بالدموع....
يداه الصغيرتان توسدتا رأسه، بدا في نومه كالملائكة، دثرته جيداً بما أستطاعت به قوتها المعطلة....
انتبهت لصوت هاتفها الجوال، وهو يُصدر نغمة الرسائل، فتحت حقيبتها وانتشلته...
10 رسائل!!! وكلها من من؟!!
من "أمل"!!!!



"مريم، أعتذر لكِ لن أكون موجودة هذا المساء، أتذكرين المفاجأة التي أخبرتك عنها، عن راشد!! تصوري سيقترن بابنة عمي بدلاً من "خالد"، كم أنا سعيدة، باي، وأكرر اعتذاري".
"مريووووم، هل أنتِ غاضبة، ردي عليّ برسالة".
"لا تقلقي سنعود غداً إلى البيت، سأنتظرك مساء الغد"..
ألقت "مريم" هاتفها دون أن تكمل قراءة بقية الرسائل...
أعود!! تريدني أن أعود بعد كل ما حدث؟! كنتُ سأضيع بسببك..لمَ لم تخبريني من قبل لم؟!!
وعادت لتنتحب من جديد بصمت، تقلب "أحمد" في فراشه، فقامت بهدوء....
توجهت إلى الحمام، والدوار يرنحها كل حين....
"إذا كنتُ سأعيش فمن أجلك يا "أحمد"، أما أنت يا "خالد" فلن أسامحك أبداً، أبداً"
وسالت دمعة جديدة على الوجه المتعب، هزت رأسها بقوة لتغتسل من الأدران، أدران الحياة كلها، لعل حرارتها تخفت وتخفت النار التي تلسع صدرها.....
===============
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.king-of.yoo7.com
 
قصة ضلالات الحب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
§¤°^°¤§ ملك الظلام§¤°^°¤§ :: منتدى الثقافة :: الحكايات والقصص-
انتقل الى: